أرشيف زاد دي زاد

ANTI-VIRUS

الكابوس لم ينته يا عالم، وأكاد أجزم (دون أدنى تشاؤم) أن الجزائريين الأبرار الأشراف معرّضون منذ اليوم للتلاعبات ومكر اللئام بشكل أكبر. لست هنا لأعطي دروسا لأحد، لكني أريد فقط من الجزائريين (الشباب النقي خاصة) أن يقوي جهاز مناعته حتى لا تستمر الفيروسات البشرية في نخره ويصبح لعقود أخرى أضحوكة أمام التاريخ.

بعد إعلان الرئيس المخلوع (نحن أيضا من حقنا أن نستعمل هذا المصطلح لتفعيل معنوياتنا) تنحيه من الحكم انقسم الجزائريون إلى قسمين، الغالبية رقصت وهللت واحتفلت بسقوط الصنم، بينما سارعت فئة ثانية إلى غرف تبديل الملابس لتضع قناعا جديدا يلائم المرحلة الجديدة. وأنا هنا اليوم لأتكلم عن هؤلاء الذين صدعوا رأسي طيلة ليلة أمس وأنا أتابع شيئا من تصريحاتهم.

جميع النعوت التي يمكن أن تحضر في أذهانكم (قلة الحياء، الانتهازية، النفاق…)، لا يمكنها أن تفي بالغرض لوصف هذه الوجوه (المقصدرة) التي كلما انقضى مفعول سمومها قذف فيها الشيطان سموما غيرها لينالوا من كرامة الشرفاء. وتأكدوا أنهم تحولوا على مر السنين إلى أنجب تلاميذ في المعهد العالي للأبالسة.

عندما تسمع شخصا عاث في الأرض فسادا، باسم الحزب الحاكم، يقول للجزائريين إن البلد كان تحت إمرة قوى غير دستورية هي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من خراب ودمار شاملين لكل شيء جميل، وعندما يقول آخر إن حزبه الحاكم لم يكن يمارس الحكم وهو الذي لم يتوقف يوما عن التأكيد على أن فخامته هو رئيس الحزب، أو عندما يظهر ثالث هنا أو هناك ليصرخ بأعلى صوته إن الجزائريين تعرضوا لإهانة وإذلال طيلة عشرين سنة من حكم بوتفليقة وتناسى هو أنه كان في مرحلة ما من فترات فخامته مطبّلا وناشطا ومؤيدا لتولي بوتفليقة رئاسة الجزائر، منهم من بدأ المشوار ثم انسحب ومنهم من استمر في الردح من أجل إضفاء الشرعية على العهدة الثانية، وآخرون أكملوا المشوار إلى الثالثة والرابعة وحتى الخامسة. عندما يتجمع هؤلاء كالذباب حول الشعب ليدّعوا طهرا ما هُم ببالغيه فإن التخويف من اختطاف الثورة لن يكون أبدا من قبيل التهويل أو التشاؤم.

أكاد أسمع أصواتا تقول إن الشعب ليس مغفلا ولا يمكن لأحد أن يضحك عليه مستقبلا، إذن فلا داعي للتنغيص. ومع كل الاحترام الواجب لهذا الشعب، إلا أنني أطمئنكم إلى أن هناك من تمكن فعلا من الضحك على ذقون الكثير من الشباب وحظي بتصفيقات حارة منه، ويكفي فقط مراجعة بعض الأسماء التي ظهرت هنا وهناك مرشحة لتولي مناصب المسؤولية في “مرحلة حكم الشعب” والتنقيب قليلا في ماضيها ليتأكد السذج أن هؤلاء كانوا فعلا مشاركين بدرجات عالية في الترويج والتهليل لبوتفليقة واستغفال الجزائريين.

كلامي للشباب الجزائري الطاهر ليس دعوة لشن أي حملة ضد أي أحد، بل تنبيه ودعوة لليقظة والحرص على نقاوة حراك 22 فبراير حتى يؤتي أكله خاليا من أية سموم. أمّا لوجوه القصدير وحتى للذين نسوا أنهم كانوا يوما ما متورطين في تقديس الصنم والترويج له بأي شكل من الأشكال فأؤكد لهم أنني لست في موقع التحامل عليهم ولا شيطنتهم، فذلك من شأن التاريخ، بل أدعوهم فقط إلى عدم الذهاب بعيدا في رحلة بحث عن دور جديد في جزائر المستقبل. استمروا في الكلام والتنديد بحكم العصابة وفضحها إن شئتم، لكن لا تسولنّ لكم أنفسكم البحث عن مكان في منظومة الحكم التي يريدها الجزائريون الأشراف هذه المرة طاهرة ونقية. دعوا الشباب الطاهر يبني جزائره كما يريد أن يعيش فيها، و(اللي كلا حقو ما يطمع في حق غيرو)، أو هكذا قيل. افعلوا ذلك على الأقل رأفة وضمانا لمستقبل أولادكم.

أما للشباب الحر فخذوها مني نصيحة: كلما ألقيتم نظرة على التقويم الشهري ورأيتم أن في الأسبوع القادم يوما اسمه “الجمعة”، فتأكدوا مليون في المائة أن هناك متربصين وطامعين في أتم الاستعداد للنيل من ثورتكم، فعليكم أن تجهزوا دائما مضادات الفيروسات.


المقال نشر يوم 03-04-2019

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى