أرشيف زاد دي زاد

الجنرال توفيق.. والموساد

هل هي النهاية، أم البداية؟ أخيرا كشف لنا مراسلونا ما ظل ساستنا وحكامنا يخفونه عنا لسنوات طويلة، ولا يسعني هنا باسمي وباسم كافة الشعب وكل أحرار العالم إلا أن نشكر مراسلي الفضائيات والصحف المحلية والأجنبية، أولا لأنهم أكدوا لنا أن هناك فعلا أصابع أجنبية تعبث بسكينة الجزائريين وتضمر شرا بالبلد. ثانيا، وهذا هو الأهم، لأنهم أراحوا فضولنا وأخبرونا أن هذه الأيادي الأجنبية باتت معروفة واسمها “الموساد” الإسرائيلي.

لا أعتقد أن أحدا من الذين يقرأون هذه السطور لا يزال بحاجة إلى توضيح أكثر، لكني مع ذلك سأختصر هنا الحكاية: أخبار عاجلة قرأناها قبل أيام قليلة متبوعة بتحاليل وتعليقات تتحدث عن تفكيك الأمن الجزائري شبكة تجسس تابعة للموساد الإسرائيلي تنشط في غرداية.

قوام الشبكة عشرة أشخاص بالتمام والكمال ينتمون إلى سبع جنسيات عربية وإفريقية. مصالح الأمن ضبطت بحوزة الموقوفين عتادا تكنولوجيا متطورا جدا هو الآن في مختبرات الشرطة العلمية بالجزائر العاصمة لإجراء التحاليل اللازمة عليه. تحقيقات (عالية المستوى) بدأت مع أفراد هذه الشبكة العالمية التي كان أفرادها يوهمون مصالح الأمن بأنهم مجرد (مهاجرين أفارقة يبحثون عن الاستقرار في الجزائر).

مراسل إحدى الفضائيات الأجنبية (التي يبدو أن لها عداوة مع إسرائيل) قدم تفاصيل رائعة عن كيفية تمكن مصالح الأمن من تفكيك هذه الشبكة اللعينة. كيف ذلك؟ (خلال عملية تفتيش أحد الرعايا الأفارقة في حاجز مرور حيث وجدوا عنده أجندة بها أرقام للجيش الإسرائيلي ولجهاز الاستخبارات الموساد. وتأكدت أجهزة الأمن الجزائرية من صحة هذه الأرقام ومن تواصل هذه الرعية مع الموساد). وماذا أيضا؟ (أسفرت التحقيقات وعمليات الاستنطاق عن اكتشاف مجموعة كبيرة في ولاية غرداية جنوب الجزائر تعمل على إثارة البلبلة من خلال امتلاكها لأجهزة حديثة للتصوير، كاميرات، ووجدوا داخل الكاميرات صورا لأعمال الشغب وللمظاهرات التي شهدتها تلك المنطقة). ثم ماذا؟ (تبين لفريق التحقيق أن هذه الشبكة على علاقة بشبكة أخرى خارج الجزائر تنسق معها من خلال بث منشورات لإثارة الفتنة ومنشورات أخرى لتحريك هذه المنطقة. والخلاصة؟ (هي عملية نوعية وخطيرة حركت الشارع الجزائري لحد الساعة إعلاميا، وكذلك ستكون هنالك مواقف قوية لرجال السياسة في الجزائر). هل من مزيد؟ (التحقيقات الآن منصبة أيضا نحو هذه الشبكة التي تنشط من خارج الجزائر لمعرفة مع من كانت تتواصل في الداخل الجزائري وفي منطقة غرداية. شيء آخر يمكن إضافته؟ (هنا مكمن الخطورة، حيث الجزائر معرضة دائما لإثارة الفتن ولتحريك الشارع في مشروع يهدف مباشرة إلى ضربها من خلال مناطق حساسة مثل منطقة غرداية). بالله؟ (نعم، إن المتآمرين على الجزائر يلعبون على حبل الطائفية والحساسيات الجهوية لإثارة الشارع الجزائري). شكرا.

عندما قرأت وسمعت (مُكرهًا) هذه الأخبار، تخيلوا ماذا كانت أمنيتي! لا تذهبوا بعيدا في الخيال، لأنها أمنية بسيطة جدا. تمنيت لو أن هذه الشبكة تفككت قبل أن يغيب الحاج عمار سعداني عن الساحة أو لنقل لو أن تبخره تأخر إلى ما بعد الإعلان عن هذه العملية (النوعية والخطيرة). ولكن لماذا الحاج سعداني بالضبط؟ ببساطة ليكمل لنا كشف الحقيقة بكل خيوطها فيقول إن أحداث غرداية كانت بإيعاز من المهماز الجنرال توفيق العميل لإسرائيل.

هل علينا الآن أن ننعم بالأمان وننام مرتاحين بعد أن غُلّت يدا توفيق وافتضح أمر الموساد؟ طبعاً، علينا الآن أن نستسلم لنوم عميق، ولكن قبل ذلك لا بد من رفع الأيدي بدعوات صالحات للذين كشفوا لنا أمر هذه الشبكة ولقنوا قادة الموساد درسا لن ينسوه أبدا.

بطبيعة الحال، علينا أن ننتظر المزيد من تفاصيل هذه القصة المثيرة في الأيام القادمة من قبيل نشر بعض التسجيلات الصوتية للمكالمات الهاتفية التي كانت تجري بين هؤلاء الجواسيس وقادة جهاز الموساد وفيها سنسمع العجب العجاب ونفهم كل تفاصيل المؤامرة التي تحاك ضد الجزائر. كما ننتظر بعض الشهادات التي سيدلي بها أعضاء شبكة الموساد المقبوض عليهم يروون فيها دورهم في الأحداث الدموية التي شهدتها منطقة مزاب وأيضا مخططاتهم لإشعال المنطقة مجددا مع مناطق أخرى في الجزائر، وهذه المرة بهدف إدخال كل الجزائر في دوامة عنف وقلاقل لا مخرج لها منها.

وفي انتظار ذلك، أسأل أولي العلم والاطلاع الذي حازوا شرف هذا السبق الإعلامي المدوي إن كانت لهم أجوبة على بعض الأسئلة التي رافقتني وأنا أتابع ما ساقوه لنا من معلومات قيمة، وأعتذر منهم إذا وجدوها أسئلة سخيفة، فخذوني على قدر عقلي.

السؤال الأول: هل تابعتم قصة اعتقال أفراد العصابة بأنفسكم (يعني كنتم في حاجز المرور وكنتم حاضرين خلال مداهمة باقي أعضاء الشبكة واطلعتم على جوازات سفرهم وشاهدتم الأجهزة المتطورة جدا التي حجزها الأمن ورأيتم الوثائق المكتوبة باللغة العبرية ورأيتم الأجندة التي عليها أرقام الجيش الإسرائيلي والموساد وكنتم حاضرين عندما كان الأمن يتأكد من صحة هذه الأرقام)، أم كل ذلك جاءكم من مصدر مطلع؟ أقول ذلك لأني من خلال كل ما تابعته لم أسمع ولم أقرأ جملة تشير إلى مصدر الخبر، وهذا على ما أذكر هو أول قاعدة يتعين على كل صحفي أن يتقيد بها عند نشره أي خبر. كل ما قيل وكتب هو: تمكنت أجهزة الأمن من تفكيك شبكة تجسس للموساد… إلى آخر الحكاية.

السؤال الثاني: هل تعتقدون أن أمر اصطياد (سمكة كبيرة بهذا الحجم) يترك لمراسلين محليين من دون أن تتحرك أجهزة الدولة وكبار المسؤولين (وآخرهم وزير الداخلية) للمسارعة إلى بث الخبر في وسائل الإعلام الرسمية وتنظيم مؤتمرات صحفية؟

السؤال الثالث) وأعترف أنه حيرني كثيرا): كيف تأكدت أجهزة الأمن أن الأرقام الموجودة في أجندة هذا العميل الإفريقي هي أرقام للجيش الإسرائيلي وللموساد؟ وهل جاء التأكد مثلا من خلال مطابقة أرقام الأجندة مع الأرقام المتوفرة عند مصالح الأمن، أم أن أحد رجال الأمن اتصل بكل هذه الأرقام واحدا واحدا وفي كل مرة كان يأتيه الرد على هذا المنوال: آلو، نعم، أنت مع الجيش الإسرائيلي أو أنت مع الموساد، تفضل، ماذا تريد؟ أم ربما طلب من العميل الاتصال وقد دار بينهما حديث بدأه العميل بالقول، أنا العميل كذا أحدثك أنت أيها الجيش الإسرائيلي (وفي المكالمة اللاحقة) أيها الموساد الإسرائيلي وأريد أن أتأكد منك أنك أنت فعلا هو الجيش الإسرائيلي أو الموساد، ثم يأتيه الجواب من الطرف الآخر من الخط: أهلا أيها العميل، نعم أنا هو الموساد، لماذا تسألني وقد كنت على اتصال معي قبل نصف ساعة فقط. فيرد عليه العميل: لا فقط لأني لاحظت أيها الموساد أن صوتك تغير فخشيت أن يكون أحد قد استولى على خطوطك الهاتفية. المهم اتصلت الآن لأخبرك أني نسيت المهمة الأخيرة التي طلبتها مني، فيرد عليه: لا تشغل بالك، سأعيدها عليك، ولكن هذه المرة خذ ورقة وقلما واكتب، أو سجل المكالمة: المهمة هي أن تلتقط لنا بعض الصور الحساسة من منطقة غرداية لنتمكن بعدها من إثارة البلبلة والفتنة بواسطتها. هل عندك سؤال آخر أيها العميل؟ نعم، أيها الموساد، لم تعطني رأيك في المهمة الأخيرة التي نفذتها؟ تقصد تلك الصورة الحساسة التي التقطتها بالكاميرا عالية الجودة؟ نعم، إنها هي. ما رأيك فيها؟ في الحقيقة هي صورة مفيدة للغاية ولكننا لحد الآن لم نجد الطريقة المثلى لنثير بها الفتنة الطائفية، ولكن لا تشغل نفسك بالأمر، لأننا وجدنا عميلا أكثر اطلاعا على المنطقة ونحن على تواصل معه وقد وعدنا خيرا، وهو طبعا يعيش خارج الجزائر وسأرسل لك بعد قليل رقمه واسمه الكامل لتسلم عليه إن شئت.

السؤال الرابع: ماذا وجدت أجهزة الأمن بحوزة عناصر شبكة التجسس أيضا؟ لأننا في العادة عندما نقرأ أخبارا مماثلة نجد أيضا كلاما من هذا القبيل: كما ضبطت مصالح الأمن مبالغ مالية كبيرة بالعملة الوطنية (المزورة) وبالعملة الصعبة (ونزيد لها هذه المرة الشيكل)، إضافة إلى جوازات سفر مزورة فرنسية وأمريكية وبريطانية وأسترالية و..إسرائيلية، وكذا سيارات آخر طراز ولوحات ترقيم مزورة بعضها أرقام لسيارات حكومية ولأجهزة الأمن الجزائرية.

قائمة الأسئلة طويلة، لكني لا أريد أن أرهقكم وأنتم لا تزالون تلتقطون أنفاسكم بعد الجهد الكبير الذي بذلتموه من أجل تنوير الرأي العام الجزائري والعالمي بواحدة من أهم المؤامرات التي كان الموساد (الله لا يتربحو) ينسجها ضد بلد دوّخ العالم بأمنه واستقراره وجلب عليه حسادا كثيرين أرادوا إشغاله بفتن داخلية حتى لا يكمل مشاريعه العلمية والتكنولوجية التي بدأ يغزو العالم بها.

بعد هذه الخبطة وحسب رأيي المتواضع فإنني أتوقع أن تكون هذه آخر محاولة للموساد ولكل جهاز تجسس أجنبي في الجزائر، لأنها فعلا فضيحة مجلجلة وضربة قاضية، وانتظروا بعد ساعات لتقرأوا خبر إقالة رئيس جهاز الموساد أو ربما حل الجهاز من أساسه، والفضل كل الفضل لأصحاب السبق.


المقال نشر يوم 19-01-2017

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى