أرشيف زاد دي زاد

لماذا الإصرار على دستور فاسد؟

بنفس المنطق الذي كان الكثير يقاوم به قيام ثورة شعبية ضد بوتفليقة والنظام الحاكم قبل عدة سنوات، يعود الآن من يصر على أن الشعب الجزائري لا يمكنه أن يتحرر إلا بمباركة رموز الفساد.

خلال فترة الربيع العربي وما أعقبها كان أي حديث عن انتفاضة شعبية في الجزائر يقابل بتصريحات ومقالات تفتح أبواب جهنم على الجزائريين. كنت حينها أردد هنا وهناك مستغربا لماذا يريد هؤلاء أن يربطوا أي انتفاضة شعبية بعودة العنف والدماء إلى الساحة الجزائرية؟ لماذا لا يسمح لهم “ذكاؤهم” بالتسليم مرة أن الفوضى والعنف ليسا قدرا محتوما وأن النظام مهما كان متجبرا وطاغيا فإنه لن يستطيع أن يقاوم إرادة الشعب إذا نهض واجتمع على كلمة واحدة وفي صف واحد متراص؟

الآن وبعد أن ثبت خطأ تلك “النظرية” التي روّج لها النظام واحتضنها (عن سذاجة أو سوء نية) مثقفون ومفكرون وسياسيون، ها هو نفس السيناريو يتكرر لكسر أصوات الملايين التي تقول إن الجزائريين (الشرفاء) لا يريدون أن يحكمهم عبد القادر بن صالح ولو على الورق، ولا يرغبون في أن تتلطخ الثورة الطاهرة بأيدي الفاسدين. الصفحة الأولى من تاريخ جزائر ما بعد بوتفليقة يريدها الجزائريون ناصعة لا شية ولا “شيتة” فيها.

لا أفهم أسباب هذه الغيرة المفرطة التي دفعت هؤلاء إلى شن دفاع “مستميت” عن دستور لم يحظ يوما بأي احترام أو اهتمام من طرف الرئيس المخلوع وغيره من الحكام الآخرين الذين لم يكن يهمهم يوما رأي ولا كرامة الشعب. كيف يصرّ هؤلاء على ضرورة احترام دستور لم يكن فقط محل تلاعب الحكومات، بل كان يعامَل مثل أي منتوج استهلاكي، كلما قرر الحاكم أنه لم يعد صالحا له سارع إلى تفصيل واحد جديد على المقاس.

ما يحدث في الجزائر منذ 22 فبراير أمر خارق لم يكن له مثيل في تاريخ البلد، وهذا يستدعي من الإخوة المحللين والمعلقين والمفكرين الانتقال إلى درجة أخرى من الإدراك. يمكنهم بقليل من الاجتهاد أن يعيدوا ضبط عقارب ساعاتهم على التوقيت الجديد، وحينها سيكتشفون أن مستقبل الجزائر الذي يطمح إليه الشباب الطاهر أوسع وأزهى من الرقعة الدستورية ومن عبد القادر بن صالح ومن بوتفليقة.

ولكي أسهّل لهم طريق الفهم وأساعدهم على العثور على اتجاه عقارب الساعدة الجديدة، أقول لهم تخيلوا أن الجزائر خرجت للتو من حقبة استعمارية والجزائريون حصلوا أخيرا على استقلالهم. هل سيضطرون إلى تقييد مستقبلهم بدستور تجاوزته التطورات، دستور لم يشاركوا أبدا في صياغته، أم عليهم أن ينطلقوا في مسار نظيف يختارون وفقه نظام الحكم الجديد وأدواته خطوة خطوة؟

اطمئنوا يا سادة، فالجزائر لن تنهار والدنيا لن تنقلب إذا لم يتحقق عناد بوتفليقة الأخير في فرض آخر الفاسدين على الشعب. لقد ضيع الجزائريون منذ سبع سنوات فرصة هدم الصنم بسبب تهويلات لا منطق صادقا لها، فلا تلزموهم اليوم بتكرار نفس الخطأ. وقت كثير ضاع والزمن الجديد صار الآن يحسب بالثواني.


المقال نشر يوم 06-04-2019

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى