ارشيف القدس العربي

الإرهاب الجزائري حله في العراق وأفغانستان.. هكذا قال الوزير!

تنظيم القاعدة موجود في أماكن متعددة في العالم، ومثلما هو يستهدف الجزائر فإنه يستهدف أهدافاً أخرى من العالم والجزائر هي واحدة من هذه الأهداف. وما نحتاج إليه هو الوصول إلى حل جذري.

هذا ليس كلامي أنا، بل اقتبسته من تصريح لوزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي كان يتحدث فيه عن ما يسمى بتنظيم القاعدة في الجزائر أو في المغرب الإسلامي. وبما أن معالي الوزير لا يتوقف عند العموميات فقد قدّم لنا تصوّره النيِّر لتفاصيل هذا الحل الجذري لآفة الإرهاب في الجزائر وفي العالم أجمع.

يقول معاليه “ربما يأتي هذا الحل من الحلول السياسية لبعض النزاعات في منطقتنا مثل مشكلة الشرق الأوسط، ومشكلة العراق ومشكلة أفغانستان”، ويضيف “نحن نعتقد أن هذه المشاكل هي جزء من الأسباب التي تغذي ولا تزال تغذي الإرهاب في العالم، لذا نعتقد أنه لا يمكن الوصول إلى حل نهائي لقضية الإرهاب من دون حل هذه القضايا السياسية في الشرق الأوسط وفي العراق وفي أفغانستان”. كلام جميل ينم عن درجة عالية من الذكاء والإحاطة بواحدة من أهم معضلات العالم المعاصر من طرف الوزير الذي يرى أن للإرهاب في فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان جذورا سياسية والقضاء على هذا الإرهاب يكون بالقضاء على الأسباب التي جعلت فلسطين والعراق وأفغانستان مناطق ملتهبة. وأهم هذه الأسباب إذن هي الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والغزو الأممي لأفغانستان والاحتلال الأميركي للعراق. وعندما تتحرر فلسطين والعراق وأفغانستان سينتهي الإرهاب في هذه المناطق الملتهبة وفي الجزائر أيضا.

طبعاً، لأن الوزير كان يتحدث عن الإرهاب في الجزائر ووجد أن القضاء عليه سيكون بخروج الغزاة من فلسطين والعراق وأفغانستان. ومعنى ذلك أن إرهابيي الجزائر عندما يقتلون إخوانهم الجزائريين ويفجِّرون أنفسهم هنا وهناك داخل الجزائر فإنما يفعلون ذلك من أجل تحرير فلسطين والعراق وأفغانستان ويهددون حياة الإسرائيليين والأميركيين وغيرهم من قوات الغزو الأممية. السلطة الحاكمة في الجزائر تحارب الجماعات الإرهابية منذ ست عشرة سنة، مصرة على أن الأزمة في البلد إنما هي أزمة أمنية وحلها لا يكون إلا أمنيا بضرب الإرهاب بيد من نار، حتى جاء معالي الوزير مدلسي ليكتشف أن هناك أيضا حلا سياسيا للإرهاب، لكنه حل لا علاقة له بالشأن السياسي الجزائري، بل له جذور في فلسطين والعراق وأفغانستان، علما أن الإرهاب الجزائري سابق للأزمة في العراق وأفغانستان.

النظام الجزائري سخّر كل المعدات والوسائل الحربية لمطاردة فلول الإرهاب ثم بقاياه في الجبال والوديان، لكنه عجز عن استعادة الأمن والاستقرار والسلم الأهلي في البلد. ومن تصريح معالي وزير الخارجية يمكن أن نفهم أن الإرهاب في الجزائر لن يجد له حلا إلا بقرار خارجي موجه لمناطق أخرى غير الجزائر. النظام تقرب من الجماعات الإرهابية وعقد معها صلحا بعد صلح، من قانون الرحمة في عهد الرئيس اليمين زروال إلى قانون الوئام المدني وميثاق المصالحة الوطنية في عهد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة. منذ القانون الأول ونحن نسمع ونرى عشرات أو مئات بل آلاف العناصر الإرهابية تنزل من الجبال وتسلم أسلحتها وتعود إلى أحضان المجتمع، ثم نسمع ونرى أيضا فلولا أخرى مرابطة في الجبال وأخرى تصعد إليها، من هذه العناصر المسلحة من يلتحق لأول مرة بالجبال ومنهم من عاد إليه بعد فترة استراحة تحت حماية قوانين الوئام والرحمة والمصالحة. آخر قانون وهو قانون المصالحة الوطنية انتهى العمل به قانونا منذ سنوات، ومع ذلك لا نزال نسمع فخامة الرئيس بوتفليقة ووزير داخليته وحتى رئيس حكومته يؤكدون استعدادهم لاحتضان أي عنصر إرهابي يضع سلاحه ويعود إلى أحضان مجتمعه، وهم يضمنون له مأوى مريحا مثلما فعلوا مع مؤسس الجماعة السلفية للدعوة والقتال حسن حطاب الذي نزل من الجبل بعد انتهاء آجال قانون المصالحة الوطنية وهو الآن في مكان آمن لم يتمكن حتى القضاء من الوصول إليه، ولا زلنا نقرأ في الصحف المحلية أن الجلسات المخصصة لمحاكمته هو وآخرين عادة ما تنتهي بالتأجيل أو بمحاكمات غيابية.

السلطة في الجزائر تصر على أن الأزمة الضاربة في الجزائر هي أزمة أمنية وحلها يكون بالتعامل الأمني وبالتفاوض مع الجماعات الإرهابية مباشرة، وهي لا تجد حرجا في أن تصدر أحكاما أو قرارات بالعفو عن أناس يقال إن أيديهم ملطخة بالدماء. وتبقى رافضة ومحاربة لأي شخص يقول لها لقد جربت كل الحلول الأمنية الممكنة وغير المعقولة فتوجهي مرة واحدة إلى طريق الحل السياسي لعلك تجدين فيه الحل الجذري لدوامة العنف الضارب في البلد. لم تجرب السلطة يوما أن تتوجه إلى الأطراف السياسية لتبحث معها حلا جذريا يريح البلد ومواطنيه والعالم كله من هذا الكابوس. صحيح أن قوانين المصالحة والوئام والرحمة أعقبتها فعلا حالات هدوء معتبرة، لكن مفعولها لم يكن يتجاوز مفعول أقراص الأسبيرين التي تعطى لمريض تحتاج أوجاعه في الحقيقة إلى دواء آخر أو إلى عملية جراحية. سيظل يرتاح ويهدأ كلما ناولوه قرص أسبيرين، لكن الوجع لن يغادر جسده إلا بأخذ الدواء الصحيح. ولكن ما حيلتك أيها المريض إذا كان الذي يعالجك مشعوذا أو مختصا في علاج مخلوقات أخرى؟

أعتقد أن معالي وزير الخارجية مراد مدلسي قد زل لسانه وقال كلاما يقود إلى الحل الجذري لأزمة الإرهاب في الجزائر، لكن بما أننا لا نقدر أن نفرض على إسرائيل أو على أميركا أو بريطانيا مغادرة فلسطين والعراق وأفغانستان، فلماذا لا نبحث عن حل سياسي داخل الجزائر قد يكفينا شر التوتر والاقتتال الذي لا ينتهي؟ فلنجرب بدل المخاطرة في الجبال والعمل في الظلام مع أطراف ليس في يدها شيء، أن نستمع ونتحاور مع السياسيين، وهؤلاء أسماؤهم معروفة ومساكنهم غير بعيدة عن بيوت عامة الشعب وحتى عن مساكن رجال السلطة، وحتى الموجودون في الخارج سيصلون إلى طاولة المفاوضات والحوار قبل أن يصل أقرب مسلح وبكلفة أقل بكثير. الجزائريون محتاجون اليوم إلى مصالحة حقيقية بين جميع القوى الوطنية السياسية الفاعلة، فقد أتعبتهم الحلول المعقودة مع الأشباح وأنهكتهم حوارات المونولوج وتصفيقات المنافقين والدجالين، فقد أنطق الله واحدا من داخل دائرة الحكم معترفا أن الحل الجذري لأزمة الإرهاب لن تكون إلا سياسية، فلنستمع إليه مرة واحدة ولنطرق الأبواب التي تأوي السياسيين بدل البحث عن البيض في الاسطبلات.

العلاقات الجزائرية المغربية.. إلى غير رجعة!

معالي وزير الخارجية مدلسي تطرق أيضا إلى موضوع لا يقل أهمية عن موضوع الأزمة الداخلية في الجزائر، حيث أعلن أن العلاقات الجزائرية المغربية “صافية لبن” لولا أن الموقف المغربي من قضية الصحراء المغربية كدّر صفوها، وهو طبعا نفس الكلام الذي نسمعه في المغرب عن الموقف الجزائري. وإذا لم تخني الذاكرة فإن الذي كنت أسمعه من المسؤولين الجزائريين هو حرصهم على أن لا تؤثر مشكلة أو قضية الصحراء الغربية، التي هي أمانة بين أيدي منظمة الأمم المتحدة، على العلاقات الأخوية بين المغرب والجزائر ومن ورائها على مصير الاتحاد المغاربي المصاب بالشلل منذ سنوات. المسؤولون الجزائريون كانوا يقولون إن العلاقات مع المغرب الشقيق على ما يرام ويجب أن تكون كذلك، إلا أن الذي ينغص عليها هو خلط الطرف المغربي بين العلاقات الثنائية للبلدين وبين قضية الصحراء الغربية التي هي قضية تصفية استعمار وحلها في يد الأمم المتحدة. كنا كثيرا ما نسمع وزير الداخلية الجزائري وغيره من المسؤولين يقولون لنا إن هناك قضايا أخرى (أمنية مثلا) تمنع الجزائر من الاستجابة لطلبات العاهل المغربي المتكررة من أجل إعادة فتح الحدود البرية بين البلدين، ولعلها المرة الأولى التي نسمع فيها مسؤولا جزائريا يقول علناً إن الذي يفصل الشعبين الجزائري والمغربي ويمنع العائلات المترامية على طرفي الحدود البرية الجزائرية المغربية من الالتقاء إنما هي قضية الصحراء الغربية وليس التهريب على الحدود أو الخوف من تنقل الأسلحة والمسلحين عبر الحدود.

وما دام التطبيع متعلقا بهذه القضية، فلماذا لا تستغل الجزائر صراحة معالي وزير خارجيتها وتبادر إلى قطع علاقاتها بالمغرب وتغلق سفارتها في الرباط وكذلك يفعل المغاربة ويحددوا أجلا لعودة العلاقات بحل قضية الصحراء الغربية بالطريقة التي يريدها كل طرف. فهذا أحسن للشعبين في البلدين من الاستمرار في النفاق السياسي والتمسك بحبل أمل ليله طويل وقد يكون سرمدياً.


المقال نشر يوم 07-10-2008

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى