الإرهاب والنظام الجزائري.. عدو لا بد منه!
تدخل الجزائر بعد غد مرحلة جديدة بعد أن يكون فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد أعلن نفسه فائزا في الانتخابات الرئاسية النزيهة والنظيفة والديمقراطية. لكن هل تصدقون أن الفترة القادمة تستحق فعلا أن توصف بالمرحلة الجديدة أو العهد الجديد؟
ماذا يمكن أن يتغير في جزائر ما بعد انتخابات 9 أبريل 2009 عن جزائر ما قبل انتخابات 9 أبريل 2009؟ الرئيس؟ هو نفسه مع فارق في العمر. النظام؟ هو نفسه. المشاكل التي تقصم ظهر الجزائريين؟ هي نفسها. الإحباط في أوساط الشباب الجزائري؟ هو نفسه. احتكار العمل السياسي والنقابي والإعلامي؟ على نفس الدرب سائرون. وما دام الأمر هكذا، فلماذا كل هذه الضجة التي بدأت قبل أزيد من سنتين بالتحضير لتعديل الدستور حتى يخلد بوتفليقة في الحكم ثم تعديل الدستور ليس عبر استفتاء شعبي بل عن طريق برلمان انتخب بأقل من 30% من الجزائريين وهي أضعف نسبة مشاركة سجلت في الجزائر منذ استقلال البلد؟ لماذا عاشت الجزائر على إيقاع حملة انتخابية مدوية حاول فيها المرشحون الستة أن يثبتوا للعالم أن غدا الخميس سيكون فعلا عرسا ديمقراطيا كبيرا وأن الجزائريين سيختارون فعلا رئيسهم من بين المتنافسين الستة تماما مثلما اختار الأميركيون بين العجوز ماكين والظاهرة أوباما؟
وزير الداخلية الجزائري أبدع قبل يومين وهو يحاول أن يثبت لمجموعة صحافيين أجانب أن الجزائر يمكن أن تكون قدوة لأميركا وفرنسا ودول أوروبية كثيرة تدعي أن تجربتها في العمل الديمقراطي عريق. فبعد أن استعرض الأجواء الديمقراطية التي سارت عليها الحملة الانتخابية كشف للصحافيين سرا عظيما عندما قال إن المرشحين استفادوا من ساعات بث مجانية في التلفزيون والإذاعة، مشيراً (وهو السفير الأسبق للجزائر في واشنطن) إلى أن هذا السخاء لا يحلم به مرشحو الانتخابات الأميركية الذين يجدون أنفسهم مجبرين على جمع أموال التبرعات للظهور على التلفزيونات الأميركية. ثم قال إن المرشحين في انتخابات الرئاسة الجزائرية يستفيدون من قاعات مجهزة توفرها لهم الدولة مجانا لتنشيط الحملات الانتخابية ويستفيدون من تذاكر سفر مجانية على الطائرة لهم ولرهطهم حتى يجوبوا الولايات الجزائرية المترامية، ويستفيدون كذلك (ودون مقابل) من لوحات إعلانات في الأماكن العمومية لتعليق صورهم ويستفيد كل مرشح فوق كل ذلك من مبلغ 150 مليون دينار جزائري. كل هذا الدلال لا يحلم به المرشحون في أعتى الديمقراطيات، يقول معالي الوزير، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الاهتمام المنقطع الذي توليه الحكومة الجزائرية لمثل هذه المناسبات الحاسمة في مسيرة البلاد. الحكومة الموقرة تريد من المرشحين أن يهتموا فقط بتنشيط حملاتهم الانتخابية وأن لا يتعبوا أنفسهم ولا تفكيرهم في القضايا اللوجيستية، خاصة أن المرشحين صاروا عندنا عملة نادرة.
لكن، ماذا لو كلَّف معالي الوزير نفسه بسؤال الجزائريين إن كانوا يريدون رئيسا منتخبا على الطريقة الأميركية أو الأوروبية وبتسهيلات منعدمة من الحكومة أم رئيسا مصنوعا على الطريقة الجزائرية وبكل التسهيلات اللوجيستية والفنية الممكنة؟ فخامة الرئيس المؤبد قال إنه لا يرضى بأقل من الأغلبية الساحقة وإلا فإنه سيتوقف عن تقمص الدور مستقبلا، والحق أن هذا ليس أول تهديد يطلقه فخامته أمام الكاميرات بالعودة إلى بيته، لكنها كانت دائما تهديدات سريعة التبخر. وقد شدّد صاحب الفخامة هذه المرة على أهمية أن يحصل على أغلبية ساحقة من أصوات الجزائريين وعلى أن تكون نسبة المشاركة قياسية، لكن الطريف في الأمر هو أنه لم يقل إن هذه الأغلبية ستسنده لتحقيق ما عجز عن تطبيقه من وعود أمام الجزائريين بدءا من نشر السلم وانتهاء بمحاربة الفساد المتفشي في دواليب الدولة، فهو يعلم أن الجزائريين يكتفون بالوعود ويسعدون وهم يسمعون أن فخامته شكّل لجنة عليا لمحاربة الرشوة ولجنة أعلى لإصلاح أجهزة الدولة ولجنة سامية لإصلاح القضاء ولجنة كبرى لإصلاح مناهج التعليم. فخامته يعلم أن الجزائريين يرضون بأقل الموجود وهو متأكد أيضا أن شعبه لا يستحق منه احتراما وجدية في الوعود والتزاما بتنفيذها. وقد تأكد من ذلك منذ بداية عهده رئيسا، عندما قال (في تصريحات لوسائل إعلام أجنبية نقلها التلفزيون الحكومي حرفيا بعد ذلك) إن في الجزائر شعبا اتكاليا لا يعمل، وقد تصرف معه على هذا الأساس. فقد حجر عليه أي طموح في النشاط السياسي التعددي بأن أغلق باب اعتماد الجمعيات السياسية على عكس ما ينص عليه الدستور صراحة، وسلّط على التنظيمات النقابية الحرة سوط الحظر، وأعلن في عدة مناسبات أنه لن يسمح بإنشاء أية قناة تلفزيونية أو محطة إذاعية خاصة، مع أن الدستور لا يمنع ذلك أبدا. وحجة فخامته في كل هذا الحظر السياسي والإعلامي والنقابي المفروض على الجزائريين منذ أن تسلم الرئاسة قبل 10 سنوات هي أن البلد لا يزال في وضع أمني هش ومهددا في استقراره، يضاف إلى ذلك رفضه المستمر لرفع حالة الطوارئ المفروضة منذ وقف المسار الديمقراطي قبل 15 سنة.
كان يمكن أن نصدق كلام فخامته لو أنه لم يتوقف في كل مناسبة عن التأكيد هو وقومه على أن الجزائر استعادت عافيتها وأن السلم أرخى أجنحته في عموم البلد وأن الاهتمام مستقبلا سيكون لفتح ورشات التنمية الكبرى. هل يمكن أن تكون الجزائر استعادت أمنها وعافيتها وهي في نفس الوقت مهددة ووضعها الأمني هش؟ إذا كان الجزائريون يبلعون كل كذبة تطلق عليهم كما يعتقد حكام البلد، فإن العالم تطور بعقود والجزائر، كما يقول محلل سياسي وخبير في شأن الجزائر ونظامه السياسي، أصبحت تحت أضواء الفضائيات الكاشفة ويستحيل تصديق كل ما يقال. إما أن تكون الجزائر استعادت عافيتها وعاد السلم إلى البلد، فحينها على فخامته أن يرفع (جزمته) عن الشعب ويحترم ما ينص عليه دستور البلد، وإما أن البلد لا يزال مهددا ووضعه هش وحينها على صاحب الفخامة وأدعيائه أن يمسحوا من سجل إنجازات الفترتين السابقتين كل كلام عن عودة السلم والاستقرار ويتصرفوا وفق ذلك.
الرئيس بوتفليقة يأمل أن يحصل هذه المرة على أغلبية مريحة حتى يتباهى بها في الخارج، أغلبية تسمح له برفع صوته أمام الأميركيين وإظهار العين الحمراء أمام الفرنسيين والأوروبيين. خبيرنا السياسي لما سمع هذا الكلام علّق قائلا (وهل أقدم أحد وقيّد يدي فخامته، القلم في يده وله أن يكتب النسبة التي يراها مريحة وكافية لمناكفة أميركا والغرب كله). ولا أدري كيف غاب عن صاحب الفخامة أو عن مستشاريه أن يخبروه أن احترام الخارج يستحقه الذين يحترمون شعوبهم لا الذين يهينونها.
في آخر تجمع شعبي من عمر الحملة الانتخابية عاد الرئيس القديم الجديد وأخرج ورقة الإرهاب والمصالحة الوطنية وهي الورقة التي كسب بها كثيرا من الأصوات في انتخابات الفترتين الأولى والثانية. أثار بوتفليقة إمكانية إصدار عفو عام وشامل عن المسلحين كخطوة أخرى في طريق المصالحة الوطنية، لكنه أسرع إلى التأكيد أن ذلك لن يكون ممكنا (ما لم تذعن للاستسلام النهائي والكامل بقايا الجماعات الإرهابية التي ما زالت ممعنة في غيِّها، ولن يصدر أي عفو شامل على حساب إرادة الشعب وكرامته، كما لا يمكن تصور أي قرار من هذا القبيل على حساب مصلحة الوطن. وهذا ما يقتضي مشاركة جملة الجزائريين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم السياسية. وبهذا الشرط، بهذا الشرط وحده، ستهدأ النفوس ويفسح المجال للرحمة ثم للعفو عند الاقتضاء).
الإرهاب سيبقى أبدا بعبعا يخرجه النظام لترهيب الشعب ودفعه لتبني خياراته، يظهره عندما يريد ويخفيه عندما يرى أن ذلك يخدم أهدافا أخرى، ولذلك فإن على الجزائريين أن يدركوا أن نهاية الإرهاب لن تكون إطلاقا على يد هذا النظام، مثلما أن أسامة بن لادن وتنظيمه لم يشهدا نهايتهما على يد بوش وأزلامه رغم أنهم كانوا يصورونهما لشعبهم وللعالم أجمع على أنهما العدو رقم واحد، لكنهما كانا أيضا السند الرئيسي للإدارة البائدة، وكلنا يذكر كيف جاء بيان أسامة بن لادن ليرجح الكفة لصالح بوش في انتخابات الفترة الثانية. وتشاء محاسن الصدف أن تطلع علينا قيادة أركان قاعدة المغرب الإسلامي ببيان تدعو فيه لمقاطعة الانتخابات الرئاسية في الجزائر ولعدم التصويت على المرشح بوتفليقة. ولمن أراد أن يعرف بقية القصة عليه أن ينتظر ساعات قليلة فقط.
المقال نشر يوم: 08-04-2009