الإعلام الرئاسي
يوم الخميس الماضي (16 يناير) بثت وكالة الأنباء الحكومية خبرا عن لقاء يجمع الرئيس عبد المجيد تبون بعدد من مسؤولي المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة يوم الثلاثاء (21 يناير). حينها استغربت لماذا تضطر الرئاسة إلى الإعلان عن لقاء بين الرئيس ووسائل الإعلام قبل خمسة أيام من حصوله، كما تساءلت عن طبيعة هذا اللقاء، هل هو مؤتمر صحفي أم لقاء تعارف سيستغله تبون لـ”تنوير الرأي العام الوطني حول مختلف قضايا الساعة”؟ ثم قلت إذا كان مؤتمرا صحفيا فلماذا يكون اللقاء مقتصرا على مسؤولي ومديري المؤسسات الإعلامية؟ ونحن نعلم جميعا أن المسؤولين والمديرين ليسوا عادة صحفيين مرموقين ومعروفين لدى الرأي العام.
لم أرد التعليق حينها على الخبر مفضلا انتظار يوم الثلاثاء 21 يناير للحصول على الأجوبة، لولا أن يوم الثلاثاء وصل وطال انتظاري قبل أن أقرأ في وكالة الأنباء إياها خبرا آخر عن نفس الموضوع لكن بصيغة جديدة. النشاط الرئاسي تحول من “لقاء” مع وفد إعلامي إلى “مقابلة صحفية” مع مسؤولي 8 مؤسسات إعلامية هي: التلفزة الوطنية، قناة “البلاد”، قناة “الحياة”، يومية “المجاهد”، يومية الخبر، يومية “الشروق اليومي”، يومية “لوسوار دالجيري” ويومية “لوكوتيديان دوران”، والموعد هو يوم الأربعاء 22 يناير.
هل لاحظتم معي خللا ما في الحكاية؟ نعم، التاريخ تحول من يوم الثلاثاء إلى يوم الأربعاء. ماذا غير ذلك؟ بحثت وبحثت من دون أن أجد أية إشارة لا هنا ولا هناك عن تغيير الموعد. الرئاسة لم تكلف نفسها عناء التنبيه إلى أن اللقاء الذي كان مرتقبا يوم الثلاثاء تأجل إلى يوم الأربعاء، ولا حتى الصحف ووسائل الإعلام المعنية وغير المعنية رأت حاجة إلى “تنوير الرأي العام” بأن اللقاء الإعلامي مع الرئيس تأجل. والمفروض في هذه الحالة، أي في غياب أي توضيح، أن يكون هنالك لقاءان: واحد يوم الثلاثاء وآخر في اليوم الموالي. أقدم هذه الملاحظة في الوقت الذي يشهد الجزائريون تعيينات لعدد من “القامات” الإعلامية في مناصب استشارية في رئاسة الجمهورية.
اللقاء قد يكون تأجل بسبب انشغال الرئيس بزيارة وزير الخارجية الفرنسي، ولا نعلم إن كان التأجيل حصل لأن الزيارة جاءت مفاجئة أو لخلل تنسيقي بين مصالح الرئاسة التي لا تتشارك بينها كل المعلومات المتعلقة بجدول نشاطات الرئيس.
لحد الآن لا أجد جوابا لتساؤلي عن سبب الإعلان عن نشاط رئاسي بعينه قبل خمسة أيام من حدوثه ليتبين بعد ذلك أن التاريخ تغير من دون أن يكلف أحد نفسه عناء الإشارة إلى ذلك. أقول هذا لأني لا أعتقد أن الإعلان عن نشاطات الرئيس قبل موعدها صار ضمن سياسة الدائرة الإعلامية في مؤسسة الرئاسة، وإلا لكنا قرأنا عن لقاءات تبون الأخيرة بالشخصيات السياسية قبل أيام أو حتى ساعات من حدوثها. وهذه طبعا ليست اختراعا جزائريا، بل هناك من مصالح الرئاسات أو ما يعادلها في مختلف أنحاء العالم من ينشر جداول لقاءات أو نشاطات رأس الدولة الرسمية (وحتى الخاصة) قبل حدوثها بأيام أو ساعات. لكن الفرق بين الرئاسة الجزائرية والرئاسات التي تحترم شعوبها وقواعد الاتصال الحديثة هو أن هذه الأخيرة تنشر أخبارها السابقة واللاحقة على مواقعها الإلكترونية الرسمية وتحدثها أولا بأول، بينما تفضل الرئاسة الجزائرية اللجوء إلى وكالة الأنباء كوسيط أجبرت نفسها عليه. ولا تسألوا عن موقع الرئاسة الإلكتروني الذي حدثتكم عنه قبل عشرين يوما، فهو لا يزال “تحت الإنشاء” ولا ندري هل سيكتب له الظهور بحلته الجديدة قبل الإعلان عن ميلاد “الجزائر الجديدة” أم في نفس التوقيت أم بعدها. وأنا هنا أتحدث عن الموقع الإلكتروني الرسمي فقط ولن أصل إلى وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى لأن ذلك قد يكون زخرفا من الحديث، بل طلبا للمستحيل وأنا لا أريد أن أقدم طلبات غريبة على شاكلة ذلك الذي يتوقع أن يرى سلحفاة تسبح في الفضاء.
أعرف أن الموضوع قد لا يستحق كل هذا الكلام، لكني مجبر على استغلال هذه الفرصة لأضيف نقطة أخرى إلى الحدث المرتقب بعد ساعات قليلة من الآن، أي لقاء الرئيس بوسائل الإعلام. بيان الرئاسة المنشور في وكالة الأنباء الجزائرية يؤكد على أن الرئيس سيلتقي “مع عدد من مدراء ومسؤولي مؤسسات إعلامية وطنية، عمومية وخاصة“. ولأنني لم أعد خبيرا في مسائل الإعلام الجزائري فإنني أسأل الخبراء والقانونيين: هل قناة “البلاد” وقناة “الحياة” مؤسستان وطنيتان؟ لأنني كثيرا ما أسمع أن القنوات الخاصة في الجزائر هي شركات أجنبية! الأسئلة لا تنتهي، لكني سأختم بهذا السؤال: لماذا قناة “البلاد” وقناة “الحياة” وصحيفة “الشروق اليومي”؟ أليست للشروق اليومي أيضا قناة و”البلاد” و”الحياة” هما أيضا في الأصل صحيفتان “وطنيتان”؟ هل هو خطأ فني آخر فقط، أم أننا لن نرى في مقابلة اليوم أثرا لميكروفون وكاميرات “الشروق”، على أن نراه حاضرا في لقاء مقبل؟