البرلمان الجزائري: إلغاؤه أفضل من حله!

احتدم جدل جزائري الأسبوع الماضي حول مطلب رفعته مرشحة سابقة للرئاسة يدعو إلى ضرورة حل البرلمان وتنظيم انتخابات نيابية جديدة. وقد سارعت قيادات من التحالف الرئاسي الحاكم إلى رفض المطلب واعتبرته مجرد مزايدة سياسية من زعيمة حزب ممثل في البرلمان منذ أزيد من سنتين.
الجدل ملأ بضوضائه الساحة الإعلامية والسياسية المحلية، حتى خُيل لبعض الواهيمن أن أزمة البلد هي فعلا في برلمانها وحلها في حله. ولا أحد يدري بالضبط إن كان رئيس البرلمان وزعيما حزب جبهة التحرير الوطني وحركة مجتمع السلم يعتقدون فعلا أن الدعوة إلى حل البرلمان تحولت إلى مطلب سياسي ملحّ يستدعي تدخلهم أم أنهم قرروا هم أيضا المشاركة في تمثيلية سخيفة عجزت عن ملء الفراغ السياسي في الجزائر تماما مثلما فشلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في ذلك.
لويزة حنون الأمينة العام لحزب العمال عبرت في أكثر من مناسبة عن غضبها للطريقة السيئة التي أخرجت بها مسرحية انتخابات 9 أبريل الأخيرة رغم أنها حظيت بالمرتبة الثانية بعد الرئيس القديم الجديد عبد العزيز بوتفليقة، وبعد أن رفض الجميع الرد على كلامها لأنهم لم يجدوا في كل ما حصل خروجا عن النص المتفق عليه والمعروف عند كل الجزائريين سلفا، أخرجت ورقة جديدة تحافظ بها على حضورها السياسي والإعلامي، فكان مطلب حل البرلمان. ومن بين ما قالته لويزة حنون “إن حل البرلمان اليوم هو الخطوة التي ستخرج البلاد من الورطة ومن شأنها أن تعيد الاستقرار السياسي”. لا أحد ينكر أن الجزائر تعاني منذ سنوات عديدة من عدم استقرار سياسي، وقد أدخلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة البلد في ورطة سياسية أخرى بسبب ما شابها من مخالفات، لكن كيف يمكن لورطة تسببت فيها انتخابات رئاسية مشكوك في مصداقيتها أن تزول بانتخابات برلمانية مبكرة؟
وزير الداخلية يزيد زرهوني قال في تصريحات صحفية إن فكرة تنظيم انتخابات برلمانية مسبقة “ممكنة التحقيق، لكن شريطة أن تكون لها منفعة لاستقرار البلد ومؤسسات الدولة، أما ما دون ذلك فلا داعي لها”. وتبين في ما بعد أن لويزة حنون لم تطلق الفكرة على الرأي العام مباشرة، بل سبقتها بنقاش مع وزير الداخلية نفسه، وهو ما اعترفت به عندما قالت إنها تناقشت مرة مع زرهوني وردّ عليها أن الأمر سيكلف أعباء وعملا كبيرا.
من جهته سارع عبد العزيز زياري رئيس المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) إلى الرد على مطلب حنون وقال إن كلامها هامشي وغير مهم، رافضا بذلك أي كلام عن حل الهيئة التشريعية في الوقت الحاضر. وقد أثارت هذه التصريحات حفيظة زعيمة حزب العمال واستنكرت عليه أن ينصّب نفسه ناطقا باسم رئاسة الجمهورية، ثم قالت إنّ رئيسها في الغرفة البرلمانية الأولى (هي عضو في البرلمان) “يعاني من ضغط نفسي ويدافع بموقفه هذا الرافض لحل البرلمان عن مصلحته الشخصية للحفاظ على منصبه كرئيس للبرلمان وثالث رجل في الدولة”. ولكي تؤكد على إصرارها على ملء الفراغ بفكرتها هذه أعلنت أن حزبها “قرر إطلاق حملة وطنية لجمع ملايين التوقيعات ستوجه إلى رئيس الجمهورية لدفعه نحو اتخاذ قرار حل البرلمان”، مضيفة أن “مبررات حل البرلمان واقعية تتعلق بالفساد وتدخل اللوبيات المالية وعدم تمثيله للشعب”.
الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني ووزير الدولة عبد العزيز بلخادم استغرب الاستفاقة المتأخرة لحنون بعد عامين من نشاط البرلمان، واصفا مطلبها بالخيار الانتحاري. وأكد أن “البرلمان لا يعاني أزمة سياسية أو دستورية كي نتجه نحو حله لعلاج الخلل إن وجد”. ولأنه لا يقول إلا ما يجب أن يقال، فقد حاول رئيس حركة مجتمع السلم أبوجرة سلطاني أن يدلي بدلوه ويعيد ما قاله شركاؤه بعبارات أخرى، فقال إن حزبه يرفض “الدخول في نقاش يتعلق بمسألة حل البرلمان في الوقت الحالي وتنظيم انتخابات تشريعية مسبقة بعد أقل من شهرين من إجراء الانتخابات الرئاسية”.
كل الناس تقريبا تكلموا إلا المعني الأول أو الذي بيده مفتاح الحل فقد بقي صامتا كعادته. الرئيس بوتفليقة هو وحده الذي يحق له الإعلان عن حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة، لكنه لم يعلق على مطلب لويزة حنون وأعتقد أنه لن يرد عليها لا سلبا ولا إيجابا وفاء لسياسته الحكيمة وتطبيقا للمثل القائل (الصمت حكمة).
لكن حتى لو سلمنا فرضا أن مطلب الأمينة العامة لحزب العمال شرعي ومستعجل، فهل كان النظام سيوافق عليه؟ ما العيب في برلمان الجزائر الحالي حتى تتحرك السلطات وتقرر حله قبل الأوان؟ هل أغلبية أعضائه من الإسلاميين المتشددين؟ هل صار فيه نواب يهددون نظام الحكم؟ هل وقف أعضاؤه يوما ضد قرار من قرارات الحاكم أو رفضوا يوما بأغلبية ولو بسيطة مشروع قانون تقدمت به الحكومة؟ هل صار يوجد بين أعضاء البرلمان رجال ونساء يقفون إلى صف الشعب المقهور وصاروا يبدعون أو يقترحون مشاريع قوانين من شأنها أن تحسن أوضاعهم وتعيد لهم حقوقهم؟ أم هل يوجد بين نواب البرلمان الحالي رجال قرروا خوض معارك طاحنة ضد الفساد والمفسدين في البلد؟ وهل خرجت من داخل البرلمان مجموعة أعلنت رفضها الزيادة الكبيرة في رواتبهم وقالوا إن ذلك استفزاز للشعب ومحاولة من النظام لشراء ذمم النواب؟ هذه هي أهم المبررات التي تجعل السلطات تقرر حل البرلمان ولو كانت موجودة لما تركت للويزة حنون الفرصة لتفتح فمها، بل ستجد نفسها في آخر قائمة المطالبين الذين يتحركون بإيعاز من أصحاب العصا الغليظة.
أما أن الأمور على ما يرام والبرلمان في أهدأ أوضاعه فإن الحديث عن حل البرلمان لن يكون إلا حديثا فارغا كان من المفروض أن لا يرد عليه أي أحد. لماذا تحل السلطة برلمانا لم تر منه إلا ما يسرّها؟ الأيادي ترتفع موافقة عندما يطلب منها ذلك والأصوات ترتفع وتخمد حسب الطلب وقاعة الجلسات في سبات عميق لا تنهض إلا لتعلن تأييدها لهذا المشروع أو ذاك ثم سرعان ما يعمها الظلام ويعلو كراسيها الغبار. الجزائر بخير أيها السادة النواب وليس هناك أي شيء يدعوكم إلى التحرك أو العمل. كل شيء على ما يرام، لا بطالة في البلد ولا أزمات، الشعب مرتاح والحكومة تهتم بكل صغيرة وكبيرة ولا أدلَّ على ذلك من الإنجازات العظيمة التي تتكرم بها يد فخامته وتعجّ بها أخبار التلفزيون الحكومي الوحيد صباح مساء ليتذكّرها الناس.
وفرضاً أن صاحب الفخامة قرّر نزولا عند رغبة حليفته حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، ماذا تتوقع لويزة حنون أن يكون شكل ولون البرلمان القادم؟ هل سيصبح فيه حزب جبهة التحرير الوطني أقلية ويحصل التجمع الوطني الديمقراطي على خمسة مقاعد وحركة مجتمع السلم على مقعد واحد وتحل في البرلمان الجديد أغلبية جديدة؟ هل تفكر لويزة حنون مثلا أن الانتخابات البرلمانية المقبلة ستحظى بمشاركة أغلبية الجزائريين وسيترشح فيها أناس يمكن أن يشكلوا خطرا على حياة النظام الحاكم؟ وهل تعتقد حنون صادقة أن الانتخابات المبكرة المقبلة (لو تقررت) ستساهم في إنهاء أو على الأقل التخفيف من الأزمة متعددة الأبعاد التي تعصف بالجزائر منذ استقلالها؟ أضغاث أحلام!
البرلمان القادم لن يكون إلا صورة طبق الأصل عن الحالي الذي هو طبق الأصل عن السابق والذي قبله. نفس الوجوه تقريبا ونفس السياسة الانتهازية والوصولية والانبطاح. لا أحد يلوم نواب البرلمان عندما يعلنون ولاءهم المطلق وغير المشروط للنظام، فهو الذي فتح لهم الطريق إلى قبة البرلمان وهو الذي رضي بهم واختارهم من بين كثير من الطامحين. وعندما يأتي اليوم الذي يمكن للنائب أن يصل إلى منصبه عن طريق اختيار الشعب الحر، حينها سيكون ولاؤه للشعب وحده، وعندها سيقف الجميع إلى صف لويزة حنون مطالبين بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وبعدها ربما لن يبقى للزعيمة العمالية مقعد تجلس فيه.
لو نظم استفتاء في الجزائر حول هذه المسألة لكانت النتيجة أن الأغلبية ستؤيد حل البرلمان، لكن الجزائريين سيطالبون بحله نهائيا أو إلغائه مثله مثل المؤسسات المنتخبة الأخرى لأن وجودها كعدمه سيان.
المقال نشر يوم: 20-05-2009