الوزير المبدع

قبل أن أكتب أي شيء، لا بد أن أؤكد هنا أن جميع وزراء حكومة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كلهم جميعا بلا استثناء، هم وزراء جادون وقادرون ومتحكمون في أدق تفاصيل قطاعاتهم وليس أدل على ذلك من التناغم والسلاسة والخطوات الثابتة التي يسير عليها الفريق الحكومي في تجسيد برامج فخامته، الواحد تلو الآخر، ومن الرضا الذي نقرأه على وجوه الجزائريين وهم يسمعون مسؤوليهم يذكّرونهم في كل مرة أن بلادهم صارت المثل الأعلى تقريبا في كل شيء، في الاستقرار والرقي والسلم المدني والتعليم، وها هو معالي وزير الداخلية يرفع تحديا جديدا بأن الجزائر ستكون خلال أشهر قليلة المثل الأعلى في النزاهة والديمقراطية بمناسبة انتخابات البرلمان. طبعا هذا لا يعني أن الانتخابات السابقة كانت مشبوهة، بل كانت هي الأخرى نزيهة وشفافة وديمقراطية، لكن القادمة ستكون مثالية بشكل ينبهر لها العالم بشرقه وغربه.
أعود إلى وزراء فخامته، لتجديد التأكيد على مهاراتهم العالية في تسيير شؤون البلاد، وكيف لا يكونون كذلك ونحن نعلم حنكة الذي انتقاهم من بين ملايين الجزائريين.
لكن، ليسمح لي السادة الوزراء وفخامة الرئيس معهم أن أقول إن هناك وزيرا يستحق ثناء أفضل من بقية زملائه، فهو بالإضافة إلى شخصيته القوية وإحاطته بكل شيء علما (باعترافه هو)، يبقى متفوقا على باقي الوزراء بحرصه الشديد على البحث عن أفكار بديعة يفاجئ بها الرأي العام. مناقبه لا تعد ولا تحصى، وأنا لم أقرر الكتابة عنه للحديث عن منجزاته واجتهاداته فهي لا تخفى على أحد والحديث عنها سيكون من قبيل الاستهتار. زياراته الميدانية الرسمية التي تحظى بتغطية إعلامية واسعة وكذا زياراته السرية والمفاجئة (والتي يحضرها الإعلام أيضا) وزئيره في وجه المهملين والعابثين بمصالح الناس زادته رفعة وهيبة.
نعم، إنه هو الذي خطر على بالكم ولا يمكن أن يكون أحدا غيره.. معالي وزير الصحة عبد المالك بوضياف الذي وقف وراء اختراع “رحمة ربي” بتشجيع ودعم صاحبه والدفاع عنه بكل ما أوتي من حيلة وسلطة، لا لشيء إلا لأنه يدرك تماما أن هذا الدواء سيكون سببا في سعادة الملايين، ثم بعد أن اطمأن إلى أن هذا الدواء شق طريقه نحو النجاح، فرح وقال في نفسه: لا يمكن أن أكتفي بهذا، ولا بد لي من إبداع آخر أسعد به إخواني الجزائريين الآخرين، ولم يستمر التفكير طويلا حتى كشف لنا عن “اختراعه” الجديد.
ومن قمة تواضعه أنه ترجى الرأي العام أن يتقبل منه فكرته بقبول حسن في انتظار أن يأتي من يكفلها ويرعاها حتى تزدهر وتلقى الرواج المطلوب منها.
معالي الوزير مهّد لفكرته بالإشادة بكرم الجزائريين واستثمارهم في الصدقة الجارية وقال إن أكثر صدقاتهم تذهب لبناء المساجد، وبعد ذلك انتقل إلى تنبيه هؤلاء المتصدقين والمتصدقات أن عدد المساجد في الجزائر كاف وزيادة، إضافة إلى أن المصلي يمكنه أداء فريضته في أي مكان بما في ذلك الشوارع العامة (هذه من عندي لتأييد قوله)، عكس المريض الذي لا يمكنه أن يعالج أوجاعه إلا في مكان واحد اسمه المستشفى، وعندما يتوجه إلى هناك سيكون بحاجة إلى طبيب يفحصه وإلى سرير ينام عليه وإلى دواء يشفيه.
قد يتساءل سائل عن الهدف من ترديد مثل هذا الكلام البديهي، فلا أحد يجهل أن المريض يذهب إلى المستشفى ليفحصه الطبيب ويعالجه وهو مستلق على سرير ثم يعطيه ما يلزمه من دواء.
نعم هذا كلام بديهي، لكن الذي ربما يجهله الكثيرون هو أن معالي الوزير يقول لكم أيها الشعب الجزائري تبرعوا أو بالأحرى تصدقوا لحكومتكم بأموالكم حتى تتمكن من بناء المستشفيات وتجهيزها وتوظيف الأطباء وتوفير الأدوية للمرضى، مع ضمان أكيد أن ما تقدمونه من مال سيبقى ينمو في حساباتكم الجارية.
وقد يقول قائل إنها فكرة (مسروقة) ولا إبداع فيها لأن كثيرا من الناس يرددونها من زمان سواء عند حديثهم عن الملايين التي يصرفها الناس في الإكثار من أداء الحج والعمرة أو في بناء المساجد، أما أنا فأقول إن كلام الناس لا يساوي شيئا أمام قول وزير مبتكر، كلام يقوله وزير في حكومة من مستوى حكومة فخامته يستحيل أن يمر مرور الكرام ولن يبقى مثل كلام الناس هباء منثورا.
إذن، ما الذي يجعل فكرة عظيمة مثل هذه تجد طريقها إلى الواقع؟ معالي الوزير معروف عنه أنه حاد المزاج وطلباته أوامر، لذلك فإنني أتوقع منه أن يستمر في حلب مخه ليخرج في أول اجتماع قادم لمجلس الحكومة بمشروع قانون يفرض على وزارة الشؤون الدينية أن تحول الأموال التي تتلقاها صناديق الزكوات والصدقات إلى تمويل المستشفيات بدلا عن المساجد، وسوف ينص القانون المقترح على أن كل شخص يصر على صرف الأموال في بناء مسجد أن يُمنع من التداوي في المستشفيات الجزائرية.
ماذا؟ هل وصل إبداع معالي الوزير إلى هذا الحد؟ قلت لكم إنه رجل حقاني وعندما يقول إنه لا يخشى أحدا عندما يتعلق الأمر بالصالح العام فإنه يقصد ذلك تماما. والدليل؟ أنه سبق البرلمان ومجلسي الحكومة والوزراء في إصدار القانون وتطبيقه على أول رجل في البلاد ليكون عبرة للجميع، بما أنه مُصرّ على صرف الأموال في بناء أعظم جامع في الكون، فقد عاقبه بحرمانه من التداوي في أي مستشفى من مستشفيات البلد.
وزير في هذا المستوى من النزاهة والعلم الواسع، أرى أنه يستحق أن يعين للإشراف على كل الحقائب الوزارية حتى لا تبقى أموال الصدقات حكرا على المستشفيات كما ظلت حكرا على المساجد. فنحن نتوقع استجابة واسعة من الجزائريين وتدفقا منقطعا من أموال الصدقات، وهنا لا بد من بوضيافٍ يتولى صرفها وتوزيعها بالقسطاس المستقيم لبناء مزيد من الطرق والمدارس والسكنات والفنادق وتوظيف الشباب.
لكن، ألا ترون معي أنه عندما يتولى أمر كل وزارات الحكومة سيبقى دائما وزيرا، فضلا عن أن العالم قد ينظر إليه نظرة ريب وشك وقد يتهم باحتكار المناصب؟ أتخيله الآن وهو يبدع مجددا وكأني أقرأ في عينيه المتواضعتين فكرة تكفينا شر أي حرج. نعم، هناك في الدستور منصب يسمح لصاحبه بالتحكم في كل الوزارات والوزراء بالقانون، ولا أرى أحدا منكم يعترض على أن يتولى معاليه منصب صاحب الفخامة. وبما أننا في أجواء (ترامبية) فإنني أراهن أن أول قرار سيتخذه يوم تنصيبه سيكون التوقيع على مرسوم رئاسي يتم بموجبه تغيير اسم “المسجد الأعظم” إلى “المستشفى الأعظم”.
المقال نشر يوم 03-02-2017