انتخابات الجزائر مزورة أم ديمقراطية؟ أدلة الإثبات عند بوتفليقة
أعلن المجلس الدستوري الجزائري قبل يومين النتائج الرسمية والنهائية لانتخابات الرئاسة مؤكدا فوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بأغلبية ساحقة، لكن لا أحد يعلم لحد الآن إن كان فخامته راضيا عن نسبة تفوق 90% أم أنه كان يقصد بمطالبته الفوز بأغلبية ساحقة أن تكون نسبة المصوتين عليه 100% أم 99.99% على أقل تقدير.
وزير الداخلية وبعده رئيس المجلس الدستوري لم يجدا أي حرج وهما يعلنان عن هذه النسبة (الخيالية) التي توجت بوتفليقة رئيسا لفترة ثالثة. وهي نسبة أثارت أكثر الذين صدّقوا أن العملية الانتخابية في الجزائر تتمتع بنوع من المصداقية فقرروا الترشح طمعا في منافسة الرئيس المتوّج سلفاً، وكانت الوصيفة لويزة حنون أكثر المرشحين انتقادا لجرأة وزير الداخلية حيث قالت إن الجزائر ليست جمهورية موز حتى تبلغ نسبة المشاركة في انتخابات 9 أبريل أزيد من 74%، لكن ذلك لم يكن ليفسد للود قضية، فهي كانت تؤمن بشدة بضرورة المشاركة في الانتخابات رغم ما قيل عن نتائجها المحسومة، تماما مثل ما هو الحال بالنسبة لزملائها المرشحين الآخرين الذين تقاسموا بينهم جميعا أقل من 9% من أصوات الناخبين.
مراقبون ومحللون كثيرون لم يفاجئهم الإعلان عن تتويج بوتفليقة رئيسا مستمرا للجزائر لسنوات أخر، لكنهم ضحكوا كثيرا وهم يسمعون وزير الداخلية يؤكد في نبرة جادة أن عبد العزيز بوتفليقة فاز بأكثر من 90% من الأصوات وأن نسبة المشاركة فاقت 74% من الناخبين المسجلين في القوائم الانتخابية، وهي بطبيعة الحال أرقام تخلت عنها أكثر الأنظمة ستالينية وأحادية، لتتسلم الجزائر العهدة وتتوج نفسها وريثا شرعيا لهذه الأنظمة المتلاشية.
فخامة الرئيس بوتفليقة طالب بمشاركة واسعة في الانتخابات وبأغلبية ساحقة من الأصوات فكان له ما أراد. فقد دخل خلال بدايات فترته الأولى في صراع مع صناع القرار في الجزائر وكان يردد في عدة مناسبات أنه لا يريد أن يكون ثلاثة أرباع رئيس، بل رئيسا بكل الصلاحيات، ولكي يثبت للرأي العام أنه بدأ يسترجع الصلاحيات الرئاسية التي تخلى عنها أسلافه لصالح دوائر أخرى أجرى سلسلة من التعيينات في مناصب حكومية وذهب به (تمسكه بصلاحياته) إلى حد تعيين مراسلي وكالة الأنباء الجزائرية في الخارج ومسؤولين من الدرجات الثالثة والرابعة في الإدارة الجزائرية، لكن ذلك لم يكن ليشفع له، خاصة بعد أن علم الرأي العام أنه عجز عن فرض أحد أذرعه الضاربة في منصب كاتب دولة للدفاع واكتفى بتعيينه وزيرا للداخلية مع محاولات محتشمة لتحويل بعض الصلاحيات الأمنية الحساسة إليه وهي محاولات لا تزال مستمرة. وعاد فخامته ليقر بنفسه في خطاب رسمي بمناسبة الإعلان عن ميثاق السلم والمصالحة أنه كان يود إقرار خطوات أكثر جرأة في طريق المصالحة الوطنية لكنه اكتفى بما هو متاح تحت وطأة ما أسماه وقتها (التوازنات الداخلية) في منظومة الحكم، ثم اعترف في مناسبة لاحقة أنه تعرض لضغوط كبيرة بسبب سياسته المتعلقة بالمصالحة الوطنية.
بوتفليقة أضاع وقتا وجهدا كبيرين لحسم (لعبة التوازنات) لصالحه وهو يوهم نفسه أنه كسب نقاطا كثيرة في جولات سابقة، لكن الطرف المقابل يرى أن كل تلك النقاط التي كسبها الرئيس ليست حاسمة ولن تفسد في شيء القواعد الجوهرية لسير نظام الحكم في الجزائر. ويؤكد المراقبون أن بوتفليقة لن يتمكن من قطع (الحبل السري) الرابط بينه وبين دوائر صنع القرار، فهو سيبقى دائما مدينا للذين جاءوا به واختاروه ليكون رئيسا على الجزائريين وبذلوا جهدا كبيرا لتعيينه في منصبه قبل عشر سنوات ثم حسموا الأمر لصالحه في الفترة الثانية وكذلك فعلوا في الانتخابات الأخيرة بعد أن تم التوافق على تعديل الدستور ليُسمح له بتولي فترة ثالثة. ويؤكد جميع المتتبعين لأجواء انتخابات الخميس الماضي أن الجيش وقوات الأمن الأخرى لعبت دورا حاسما في توجيه مجرى الانتخابات، حيث لم تجد كاميرات التلفزيون في الساعات الأولى من بدء عملية الاقتراع إلا آلاف المنتسبين إلى الجيش وقوات الأمن الأخرى لتصورهم وهم مصطفون أمام مكاتب الاقتراع، وكان ذلك ضروريا لتقول الإدارة إن إقبال المواطنين على صناديق الاقتراع كان كثيفا وهو ما من شأنه أن يشجع المترددين والمرتابين لكي يتشجعوا ويذهبوا للإدلاء بأصواتهم فتنكسر شوكة المقاطعين وترتفع نسبة المشاركة.
قد تبدو الصورة كاريكاتيرية، لكن مقربين من صاحب الفخامة يؤكدون أن الرجل (لا تزال في نفسه عقدة من المؤسسة العسكرية قد يتخلص من عبئها في تعديله الدستوري القادم إذا سارت الأمور كما خطط لها). وانطلاقا من هذا التحليل يمكن القول إن الخطوات التي سيقررها الرئيس الجديد القديم عبد العزيز بوتفليقة في الأسابيع أو الأشهر القادمة ستؤكد إن كانت نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة المعلن عنها هي نفسها النتائج الصحيحة أم لا. فإذا كانت نسبة الأصوات التي حصل عليها بوتفليقة صحيحة والانتخابات جرت في جو ديمقراطي وشفاف ونزيه فإن فخامته سيتحرك في اتجاه معين، أما إذا كانت النتائج مفبركة ولا تعكس حقيقة ما جرى يوم الاقتراع فإن الأمر سيكون مختلفا تماما. ذلك أن الرئيس لن يكون مثل المواطن العادي، بل ستكون له الفرصة ليطلع على النتائج الرسمية وعلى النتائج الحقيقية ووفق ذلك سيبني ويتخذ قراراته المستقبلية.
وقبل الوصول إلى (عش الدبابير)، ستكون أمام بوتفليقة خطوات أولية يفتتح بها فترته الجديدة، وعلى أساسها يمكن للمرء أن يعرف إن كان فخامته قد بدأ التغيير فعلا كما يتوقع منه كثير من مواطنيه أم أنه سيواصل على نفس النهج وكل همه أن يحافظ على منصبه في سلام وأمان. وأولى هذه الخطوات ستكون بلا شك في الشخص الذي سيختاره رئيسا للحكومة ثم في أعضاء الحكومة. فإذا كان بوتفليقة متأكدا أن الشعب هو الذي منحه الأغلبية المعلن عنها فإنه سيختار أناسا يرضي بهم الشعب أما إذا كانت نتائج الانتخابات الرسمية افتراضية فإن تعيين أعضاء الحكومة ورئيسها سيتم اختيارهم وفق نظام الحصص الساري منذ سنوات، وسيكونون في الغالب نفس الوجوه المألوفة، ومنها وجوه موجودة في الوزارة قبل مجيء بوتفليقة إلى الحكم وهي مستمرة معه والجميع يعلم أن بقاءها ليس مرتبطا بعبقريتها ولا بحسن تسييرها لقطاعاتها بقدر ما هي محسوبة على عصب وجهات في دوائر صنع القرار. هناك أيضا ملف الجماعات المسلحة أو ملف المصالحة الوطنية الذي لا يزال بوتفليقة ينفخ الحار والبارد بشأنه، فلا هو قرر السير في مصالحة حقيقية تعالج أصل الأزمة الأمنية في البلد ولا مضى في النهج المضاد تماما. وآخر ما أعلن عنه في هذا الخصوص هو استعداده لإعلان عفو شامل عن المسلحين، لكنه سارع إلى وضع شرط تعجيزي لتنفيذ الوعد وهو أن لا يبقى في الجبال مسلح واحد. وقبل ذلك وصل به الأمر إلى انتقاد صناع القرار الذين قرروا إلغاء المسار الديمقراطي في الجزائر إثر فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالأغلبية الساحقة في الدور الأول من انتخابات 1991 البرلمانية، وقد قال في الحقيقة هذا الكلام مرة واحدة ثم عاد بعد ذلك (وإلى اليوم) لتحميل قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة مسؤولية الدماء والخراب الذي لحق بالجزائر منذ 17 سنة. وكان ذلك مبررا لإقصاء كل رموز الحزب المحظور عن الساحة السياسية ومنعهم من مزاولة أي نشاط عمومي.
المطبلون (للعرس الانتخابي) سيواصلون تصديقهم لما أعلن عنه وزير الداخلية ورئيس المجلس الدستوري من نتائج وأرقام، والمقاطعون سيستمرون في التأكيد على أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لم تبلغ 30%، وبين هؤلاء وهؤلاء سيكون الرئيس بوتفليقة أحد القلائل العارفين بحقيقة ما جرى يوم الاقتراع وسيكون في يده وحده القرار ليثبت لمواطنيه وللرأي العام الخارجي إن كانت النتائج المعلن عنها صحيحة ومطابقة للواقع أم أنها امتداد أو نسخة أسوأ لنمط حكم مفروض على الجزائريين منذ سنوات استقلال بلدهم الأولى.
المقال نشر يوم: 15-04-2009