بشائر “الجزائر الجديدة”

عادت الرئاسة الجزائرية إلى تذكير الصحفيين بضرورة التقيد ببيان سبق لها نشره، وفيه تحذر من مغبة المبادرة بنشر أي أخبار ذات طابع رسمي تحت طائلة قوانين الجمهورية، وقد وردت في البيان الثاني إشارة إلى أن المقصود أساسا هي الأخبار البروتوكولية المتعلقة بفخامة الرئيس، خاصة ما تعلق منها بالعلاقات الدولية.
عندما قرأت البيان الأول قبل أكثر من أسبوعين استغربت ذلك من دون أن أندفع إلى التعليق على ذلك، إلا أن إصدار بيان هذا السبت لم يترك لي أي مجال للتردد لأنني قرأت في تكرار نفس البيان استفزازا من الرئاسة للصحافة أو لنقل جسا للنبض في انتظار خطوات أخرى أشد وأخزى. كنت أتوقع عند صدور البيان الأول مبادرة من بعض الصحفيين “المستقلين” للتعليق على هذا البيان أو على الأقل الاتصال بأي مسؤول مخول في الرئاسة لتفصيل هذا الموضوع وتوضيح خلفياته وأهدافه، لكن الذي حدث هو أن الصحافة برمتها نقلت البيانين حرفيا ودون أي تعليق لا سلبا ولا إيجابا، وهذا أمر مثير للقلق.
لم يعد يهمني الآن أن أعرف ماذا حدث حتى تضطر الرئاسة إلى إصدار بيانين يتعلقان بنفس الموضوع في أقل من شهر وتجديد تهديدها للصحفيين بالمتابعة القانونية إن هم كتبوا عن الرئيس شيئا لم يصدر عن الرئاسة أو لم تنشره قبل ذلك وكالة الأنباء الحكومية. كانت بعض التلميحات، التي أعقبت صدور البيان الأول، تشير إلى أن المقصود بهذا التحذير هو أنيس رحماني وإمبراطورية “النهار”، لكن أن يصدر البيان الثاني بعد يوم من إيداع هذا الأخير الحبس فهذا يعني أن هناك جهات أخرى غير “النهار” تخوض في أسرار الرئيس والرئاسة، أو ربما هي ضربة استباقية للتغطية على نشاطات ينوي فخامته ارتكابها بعيدا عن أعين الرأي العام.
هل “الجزائر الجديدة” التي ينوي فخامته بناءها بحاجة إلى مزيد من التضييق على العمل الإعلامي؟ وهل ينقص الصحافة الجزائرية تنغيص إضافي حتى تسارع الرئاسة إلى محاصرتها بالتهديد تلو الآخر؟ ثم ما هي المعلومات الرسمية التي يتحدث عنها البيانان، ولماذا تم فقط تخصيص تلك المتعلقة بالرئيس دون غيره من المسؤولين والمؤسسات الرسمية الأخرى؟ بل انظروا بتمعن إلى القفزة البهلوانية التي صيغ بها البيان الثاني عندما وصف “عدم الالتزام بالبيان” الأول بأنه ببساطة خطيئة عنوانها “الإمعان في نشر الأخبار الكاذبة”. هل عندما ينشر صحفي خبرا صحيحا ومؤكدا عن الرئيس، لم تنشره الرئاسة عمدا أو سهوا، يصبح هذا الصحفي عرضة للملاحقة بتهمة نشر خبر كاذب؟ تخيلوا معي لو أن صحفيا جزائريا علم بما دار من حديث عن الموضوع إياه بين فخامته وأردوغان ثم نشره قبل أن يكشفه الرئيس التركي، هل سنعتبر الصحفي كذابا ونخضعه للملاحقة القانونية لمجرد أن الرئاسة قررت عدم نشر هذا الكلام عبر الوكالة الرسمية؟ من هو الكذاب في هذه الحالة: الصحفي الذي نقل خبرا صحيحا أم الرئاسة التي اختارت أن تتكتم على الأمر؟
كثيرا ما يحلو لبعض الجزائريين، الذين ينتقدون التردي الذي وصلت إليه الجزائر بفضل حكمة قادتها على مر العقود، عقد مقارنة بين بلدهم وكوريا الجنوبية التي يقولون إنها كانت في مستوى أقل مما كانت عليه الجزائر لكنها تمكنت من مزاحمة الكبار في ظرف قياسي، بينما الجزائر تهوي من حفرة إلى أخرى أعمق فأعمق. لكن مع وصول فريق “الجمهورية الجديدة” إلى الرئاسة لا يسعني إلا أن أبشركم أن الجزائر تمكنت بفضل هذه القيادة الحكيمة إلى الوقوف الند للند مع كوريا. نعم، الجزائر صارت بعد انتخابات 12 ديسمبر تزاحم الكوريين، ولا تهتموا كثيرا عندما أوضح لكم أن كوريا التي لحقت بها الجزائر هي الشمالية لا الجنوبية، لأن المهم هو أن اسمها كوريا. أقول هذا وفي قلبي شك من أن الجزائر قد تفوقت على كوريا الشمالية في التعتيم الإعلامي وترويع الإعلاميين، وإلا نفسر استمرار فريق “الجمهورية الجديدة” لحد الآن في إبقاء الموقع الإلكتروني الرسمي للرئاسة غير مفعل ولا محدث؟ كنت انتقدت في مقال سابق العبث الذي نال من موقع الرئاسة في عهد عبد القادر بن صالح، لكن جاء تبون وفريقه ليدفعونا إلى الترحم على ما فعلته جماعة بن صالح.
أنت تطبل في الماء .هذا رأيك الخاص و نظرتك الخاصةو ربما كان طمعا في حقيبة وزارية .ألا يوجد ما هو إيجابي لهذا الرئيس،ألا يحق لنا نحن من انتخبناه أن نثق فيه.أي صحافة تتحدث عنها و أي قنوات هذه،التفاهة والعفن و ال….