بوتفليقة يكافئ الجزائريين على موقفهم في انتخابات الرئاسة!
أفرج الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أخيرا عن قائمة أعضاء الحكومة التي سينطلق بها في فترته الرئاسية الثالثة. ولم يطرأ على القائمة أي اسم جديد حيث بقي كل وزير محتفظا بحقيبته تماما مثلما ظل بوتفليقة محتفظا بمنصبه.
وقد عاش كثير من الجزائريين، طيلة الأسبوعين اللذين أعقبا الإعلان الرسمي عن فوز فخامة الرئيس بوتفليقة في انتخابات 9 أبريل الرئاسية الأخيرة، حالة من الترقب والأمل في أن يبعث الرئيس الجديد القديم من خلال حكومته الجديدة رسالة إيجابية إلى مواطنيه بأن شيئا ما سيتغير في المرحلة القادمة، وازدادت جرعة أمل المترقبين عندما رأوا أن رئيسهم الجديد القديم تأخر كثيرا في الإعلان عن طاقمه الحكومي الجديد. ولم يخف الكثير من هؤلاء خيبتهم وهم يسمعون عبر نشرة الأخبار أن رئيس حركة مجتمع السلم أبوجرة سلطاني الذي كان وزيرا من دون حقيبة كان الوحيد الذي خرج من الحكومة (بناء على طلبه)، أما المتفائلون بطبعهم فقد اختاروا لبوتفليقة مئات الأعذار، منها أن فخامته يستعد لتغيير جذري (يقلب السماء على الأرض) سيعلن عنه في الوقت المناسب، ولقي هؤلاء في البيان الرئاسي ما يبقي حلمهم في التغيير متقدا. فقد برر الرئيس قراره بالحفاظ على نفس الفريق بما أسماه (الرزنامة الدولية والمقتضيات الوطنية).
واختلف المفسرون في المقصود بالرزنامة الدولية، فمنهم من قال إنها تعني الأزمة الاقتصادية والمالية الدولية التي تعصف بالعالم، ومنهم من رأى أن الاستعداد للزيارة التي يقال إن بوتفليقة سيشرع فيها هذا الصيف إلى باريس وراء تعطيل التغيير الحكومي المرتقب، ولا ندري ما الذي يمكن أن تفعله حكومة جديدة أو قديمة للتأثير في تداعيات الأزمة المالية أو في ترتيب زيارة الرئيس إلى باريس. أما حكاية (المقتضيات الوطنية)، التي كانت القيد الثاني الذي عطل بوتفليقة عن إجراء أي تغيير ولو طفيف على حكومته، فقد أسالت حبر المفسرين بين من رأى أن الفترة القادمة هي فترة امتحانات بالنسبة للطلبة وتلاميذ المدارس تليها إجازة الصيف ثم شهر رمضان، وهذه كلها مواعيد تحفظ لكل وزير حقه في البقاء في منصبه وفق المنطق الجزائري، وبين من استعاد مصطلح (التوازنات الداخلية) كتفسير للمصطلح الجديد (المقتضيات الداخلية). فقد تحدث بوتفليقة قبل سنوات عن (توازنات داخلية) قال إنها تقف حجر عثرة بينه وبين تحقيق مصالحة وطنية شاملة في الجزائر، وفهم الجميع وقتها أن المقصود بذلك هو أنه لا يملك في يده لوحده مفاتيح التحرك والمناورة السياسية وإعلان المبادرات والخيارات الكبرى المتعلقة بالملف الأمني.
أما في حالة التعديل الحكومي فإن التفسير الأقرب للحقيقة لا يخرج عن أحد احتمالين، فإما أن بوتفليقة أراد وضع أسماء في مناصب حكومية محددة لكن شركاءه في تسيير دفة الحكم مارسوا حق الفيتو عليه، وإما أن الجميع بقي متمسكا برأيه وببيادقه فكان أحسن خيار هو الحفاظ على كل شيء كما هو.
خلال أيام الحملة الانتخابية الأخيرة عرض التلفزيون الحكومي لقطات لمواطنين يطلبون من الرئيس القادم (والمقصود هو لا غيره طبعاً) أن يعكف في سنوات حكمه القادمة على تحسين أوضاع البلد والاهتمام أكثر بشريحة الشباب الذي سقط في فخ المخدرات والانتحار واليأس والهجرة بجميع أنواعها. وعندما يقول المواطنون مثل هذا الكلام في عز الحملة الانتخابية وأيضا أمام مكاتب الاقتراع فمعنى ذلك أن الجزائر ليست في وضع حسن وشبابها الذين يشكلون أكثر من ثلثي السكان يعيشون معاناة وأوضاعا غير سارة. وعندما يقرر الرئيس الجديد القديم أن يبقي على طاقمه الحكومي بكافة تشكيلته دون تغيير فمعنى ذلك تفسيران لا ثالث لهما، إما أن هؤلاء المواطنين يهذون ويقولون كلاما لا يطابق الواقع، وأن البلد في حال استقرار ورخاء وأمن ورفاه، وإما أن فخامة الرئيس يقول لشعبه (لا أريك إلا ما أرى وإذا كان لك رأي آخر فاحتفظ به لنفسك أو ضعه في مكان آمن).
لكن بما أن الدنيا عندنا بالمقلوب، دعونا نجد عذرا أقبح لقرار صاحب الفخامة الحفاظ على طاقمه الحكومي بنفس الوزراء ونفس الحقائب. ولنبدأ بالقول إن الشعب الجزائري اختار بأغلبية ساحقة أن يكون بوتفليقة رئيسا خالدا مخلدا، تماما مثلما اختار أحمد بن بلة رئيسا وهواري بومدين خليفة له والشاذلي بن جديد ثالثا ومحمد بوضياف رابعهم وعلي كافي خامسا وسادسهم اليمين زروال. وبما أن الشعب مارس اختياره بكل حرية وفي ظروف شفافة ونزيهة وديمقراطية شهدت بها وفود الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي وحتى مراقبو الأمم المتحدة، فإنه في غالبيته الساحقة اختار صاحب الفخامة عبد العزيز بوتفليقة لأنه وجد فيه الرئيس المثالي الذي خدم الجزائر ودفع بها إلى مصاف الدول المتقدمة ورفع رأس شعبها عاليا بين الشعوب. ورئيس كانت هذه حصيلته، ألا يستحق أن يخلّد في الحكم، ويرقى إلى نفس مرتبة إخوانه من باقي الحكام العرب؟ وبما أن نجاح الرئيس بوتفليقة الباهر كان من حسن تدبيره ومن حسن تطبيق برنامجه المثالي، فقد وجد نفسه مضطرا لشكر طاقمه الذي أحسن تطبيق برنامج فخامته بحذافيره وأدق تفاصيله وليس هناك أحسن وسيلة للشكر من ترك كل وزير وكل مدير وكل محافظ وكل وال في منصبه.
أكثر من ذلك نقول للذين كانوا يتوقعون أو ينتظرون من فخامته إجراء تعديل جزئي أو تغيير جذري في تشكيلة حكومته إن ذلك فخا لم يكن ليسقط فيه رئيس مشهور بحكمته ودهائه السياسي. وإلا فماذا سيكون تفسير المفسرين لو أن فخامته أخطأ وقرر إجراء تعديل مهما كان طفيفا على فريقه الحكومي؟ ألا يعني ذلك أنه أوّلا لم يحسن اختيار ذلك الوزير الذي أزاحه في التعديل، وأن الوزير المزحزح من منصبه كان فاشلا في المهمة التي كلف بها؟ والكل يعلم أن الحديث عن الفشل ولو كان المقصود به وزيرا هو كلام مرفوض ومردود على قائله. برنامج فخامته ناجح واختيار فخامته لوزرائه اختيار صائب وحصيلة عمل الحكومة وقائدها الأكبر إيجابية لا غبار عليها، ومن ذلك طبعا جاءت نسبة 90% من الأصوات التي بايعت فخامته في الانتخابات الأخيرة حاكما مدى الحياة.
هذا هو الكلام الصحيح والمنطقي في جزائر بوتفليقة، لكن إذا كان هناك من لا يزال مصرا على تفسيرات أخرى، فإن الرد عليه جاهز ولا يهم أن يرضى به أو يرفضه. قد يقول قائل إن الشعب لم يختر بوتفليقة رئيسا والانتخابات مزورة ونسبة المشاركين في الاقتراع الأخير لم تتعد ثلث النسبة المعلن عنها، عندها سنقول إن بوتفليقة في هذه الحالة لم يخطئ عندما قرر الحفاظ على نفس التشكيلة الحكومية عكس كثير من التوقعات. فبما أن الشعب لم يكن معنيا بتلك الانتخابات ولم يكن يريد تخليد بوتفليقة على عرشه، وما دام فخامته قد وجد نفسه مخلّدا في كرسيه رغما عن إرادة أغلبية الشعب، فلم يكن منه إلا أن يعامل هذا الشعب بالمثل، فيتخذ قرارات لا تساير طموحاته ولا رغباته، فيكون بذلك انتقم من شعبه الانتقام الأمثل ورد الجميل لوزرائه الذين اجتهدوا ليوهموه أنه هو الأصلح ولا أحد غيره وأيضا ليرضي الذين رضوا به رئيسا وبوزرائه حكومة وذلكم هو جوهر (المقتضيات الداخلية).
المقال نشر يوم: 29-04-2009