تساؤلات حول الاستقرار

أصحاب العهدة الرابعة جعلوا “الاستقرار” حجر أساس حملتهم الانتخابية، وهم يحاولون الآن أن يُفهِموا عموم الجزائريين أن استقرار البلد لن يتحقق إلا بشرط واحد، أن يبقى بوتفليقة رئيسا، ولا يهم كيف يتم ذلك وعلى أي حال.
بحثت كثيرا عن المبررات التي تجعل هؤلاء العقلاء يؤكدون أن الجزائر ستفقد استقرارها إذا (تزوجها) رئيس آخر غير صاحب الفخامة. ولما لم أجد جوابا معقولا، قررت أن أقتنع بكل ما ردده علينا سلال وبلخادم واللي ما يحبناش وغول وسعداني والقائمة طويلة وعريضة. وأدعوكم لكي تقتنعوا معي ساعة من الزمان فقط أن بوتفليقة هو الاستقرار وغيره هو الفوضى والانهيار، ولنبدأ نقاشنا على هذا الأساس. ونقاشي هنا سيكون بالأساس مجموعة أسئلة أتوقع أن لا يكون لها أكثر من جواب واحد.
بماذا ميز الله بوتفليقة حتى جعله مختلفا عن ملايين الجزائريين؟ بعلمه؟ أي علم هذا الذي اكتسبه الرجل ولم يتمكن عشرات الآلاف من العلماء الجزائريين من الظفر به؟ بحكمته؟ أي حكمة هذه التي تجعله يستمر في الحكم 15 سنة من دون أن يتوقع أنه سيمرض يوما أو يغادر هذه الدنيا وهو لم يترك للبلد وريثا شرعيا يستمر في الحكم وفقا لحكمته؟ بخبرته ربما؟ وأية خبرة هذه التي تجعل صاحبها يعد شعبه عند بداية كل فترة رئاسية أن هذه ستكون الأفضل وأن مشاكل البلاد والعباد ستحل خلالها؟
لنفترض أن الحملة الانتخابية انتهت بسلام وأعلن (كما هو متوقع) عن فوز بوتفليقة بعهدته الرابعة. ماذا سيحدث بعد ذلك؟ فخامته وعدنا في رسالته الأخيرة بتحقيق التغيير المنشود وبإحداث القطيعة مع “ممارسات ثبت خلوها من الجدوى”. وهنا أعترف أنني لم أوفَّق في تركيب مصطلحي التغيير والقطيعة مع شعار الحملة الذي هو الاستقرار.
هل عند بوتفليقة الرئيس ومن يحيطون به ذرة اقتناع أن حالة الرئيس الصحية ستتغير نحو الأحسن؟ وهل هناك من الأطباء من يستطيع أن يؤكد لنا أن رجلا أصيب بما أصيب به بوتفليقة وعمره يقترب من الثمانين سيتخلص من كل آثار المرض ويعود يافعا قادرا مقتدرا على تسيير شؤون بلد في حجم الجزائر وسط ارتباكات دولية متزايدة؟
بل دعونا نطرح سؤالا آخر، من مِن الجزائريين يتوقع أن يبقى بوتفليقة على قيد الحياة ويحافظ على استقرار حالته التي هو عليها الآن لخمس سنوات قادمة؟ أعرف أن الأعمار بيد الله، لكن الله الذي يمتلك ناصية الأعمار هو الذي خلقنا وقال لنا (ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة)، وقال لنا أيضا (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا). هذه سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا. كم سنة يمكن أن نتوقعها له ليبقى على قيد الحياة؟ عام؟ اثنان؟ ثلاثة؟ أربعة؟ يمكن أن يعيش أكثر من ذلك طبعا، لكنني أتحدث عن التوقعات، وعن النسبة المئوية. هناك احتمال قائم أن يغادرنا فخامته في أية لحظة، ولنفترض أن ذلك قد يحدث يوم 18 أبريل المقبل أو الذي يليه. ماذا سيحدث بعد ذلك؟ جنازة رئاسية، كما يحلم بها فخامته.. ثم ماذا؟
فترة انتقالية ثم انتخابات رئاسية مفاجئة وذهول عارم لدى عموم الجزائريين. هل لأحدكم أن يتوقع ماذا يمكن أن يحدث والبلد في الحالة التي هو عليها الآن؟ هل بعد ذلك يمكننا أن نتحدث عن الاستقرار الذي جلبه لنا التصويت على بوتفليقة؟ أعتقد أن هذا هو السيناريو الذي على كل حكيم وخبير ومتعلم ومحب لوطنه أن يفكر فيه ويعمل على أساسه بحثا عن أفضل السيناريوهات لتمكين الجزائر من الاستقرار.
الرئيس والبلد مريضان، والاستقرار ضروري لكليهما، لكن دعونا نطرح سؤالا أخيرا: كيف لإنسان عاجز عن توفير الاستقرار الصحي لجسده أن يحفظ استقرار بلد تنخره أمراض فتاكة أفقيا وعموديا؟
المقال نشر يوم 12-04-2014