ارشيف المدونة الخاصة

تعديل دستوري جذري

رئيس حكومة بوتفليقة يبشر الجزائريين أنهم إذا كان لهم شرف الخضوع إلى عهدة بوتفليقية خامسة فإنهم سيحصلون معها على نفس (البونس) الذي نالوه في الفترات السابقة، إصلاحات عميقة، حوار وطني وتعديل دستوري. لكن الجديد هذه المرة هو أن هذا التعديل سيكون “جذريا”.

أحمد أويحيى لا يتوقف عن تشويق الجزائريين، وأكاد أراهم الآن يطالبونه بتقديم الانتخابات الرئاسية حتى قبل أن يقدم المرشحون ملفاتهم، تلهفا للشروع في جني ثمار العهدة الخامسة، وما أحلاها من ثمار. فالجزائر ما انفكت ترتقي وترتقي طيلة عقدي حكم صاحب الفخامة، ولا يمكن لأحد أن يترقب من العهدة الخامسة غير المزيد من الرقي والتحليق عاليا بعيدا عن عالم الإنس الذي لم يعد للجزائر مكان فيه.

أما إذا كان ولا بد على الجزائريين أن ينتظروا حلول موعد الاقتراع الرسمي بعد 50 يوما، فأرى لزاما علينا أن نخوض في بعض تفاصيل البشائر المرتقبة لتشويق من لا تزال في قلبه ذرة شك في النعيم القادم. أنا شخصيا لم أكن أتوقع أن تكون في حوزة آل بوتفليقة وصحبه فضائل أخرى يجودون بها على الجزائريين، فهم ظلوا طيلة عشرين سنة (على الأقل) متفانين ومفرطين في خدمة هذا الشعب المحظوظ.

لكن بما أن أويحيى وعد، وهو الصادق الصدوق الوفي، فلا بد أن نجتهد لنتكهن ونتخيل ماذا ستحمله لنا الخامسة. وأنا هنا أتطوع لفتح باب التكهنات وأتوقف فقط عند “التعديل الجذري للدستور”. أعرف أنها مهمة شاقة، لكني مضطر للمشاركة في التشويق.

الدستور الحالي بصراحة، وبشهادة أويحيى نفسه وولد عباس وأتباعهما، من أفضل الدساتير التي تفتقت بها عبقرية الإنسان في كل العصور. فكل شيء فيه محبوك بإتقان ومواده ترتقي بالإنسان الجزائري إلى أعلى عليين، لكن بما أن فخامته وآله وصحبه مصرون على إفناء أعمارهم في خدمة شعبهم المدلل فإنهم سيتكرمون عليه بالأجود. لنبدأ التمرين ونختمه بعدد الفترات الرئاسية، وهي مسألة يعيرها الشعب في أيامنا هذه أهمية قصوى. كان عددها في الدستور الذي ورثه بوتفليقة محددا بعهدتين، ثم عدله هذا الأخير إلى فترات مفتوحة، وبعدها تفطن فخامته إلى أن عليه أن يراجع الدستور مرة أخرى لتحديد الفترات إلى عهدتين مباركتين. والآن في التغيير الجذري لا بد أن يكون المقترح هو الانتقال إلى فترة واحدة برزخية، أي فترة تمتد لخمس سنوات… ضوئية.

لماذا هذا التعديل الجذري في رأيكم؟ لأن فخامته مضطر عاجلا أم آجلا إلى الغياب عن عالمنا لفترة طويلة، وبما أنه واقع تحت الرغبة الجامحة للجزائريين أن يستمر في حكمهم مهما حصل، فإنه سيأخذ معه كرسيه ليكمل حكمه من باطن الأرض بما يرضي ضميره ويريح شعبه. أرى رؤوسا تهتز مشككة في نجاح هذه التجربة البرزخية، وهنا أترجى كل هؤلاء أن يثقوا في القدرات الخارقة لصاحب الفخامة، وهم قد خبروا بعضا منها طيلة السنوات الماضية. هل كنتم تسمعون فخامته يتكلم أو ترونه يجوب الأرض مثلما كان يفعل في سنوات حكمه الأولى؟ طبعا لا. وهل لاحظتم أن فخامته قصّر في حق شعبه أو تكاسل عن خدمته؟ كلا وألف كلا. مشروعه الإصلاحي كان يتقدم بخطى ثابتة وأحلام الجزائريين تتحقق يوما بعد يوم وعاما بعد عام، وما غيابه إلا عن حكمة أرادها لشعبه وهي أن يعوّده على حكمه عن بعد، وسنة بعد سنة يكون الجزائريون قد تعلموا كيف يكونون محكومين من قبل رئيس لا يرونه إلا نادرا ثم يختفي تماما دون أن تتعرض منظومة الحكم إلى أي خلل. أما الذين يصرون على أن يروا رئيسهم تعلقا به أو تحديا فلن يكون عليهم إلا أن يعجلوا بقضاء آجالهم في هذه الحياة ليتأكدوا بأنفسهم أن فخامته قادر ومؤهل للاستمرار في الحكم حتى وهو في عالم آخر، وتلكم هي حكمة التغيير الجذري، فآمنوا بها أو لا تؤمنوا.


المقال نشر يوم 27-02-2019

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى