مقالات

جرّاد سيفضح العصابة الحاكمة

أول رد فعل صدر عني في اللحظة التي قرأت فيها أن عبد العزيز جرّاد عُيّن رئيسا للحكومة في جزائر عبد المجيد تبون هو أن الأمل في حصول تغيير يرجوه الجميع صار وهما. لكني بعد يوم واحد من مراجعة الذات أصبحت مقتنعا تماما أن الوزير الأول الجديد سيحدث المفاجأة ويعلن عن استقالته في أقرب وقت. أعلم أنه أمر لا يصدّق والتفكير في مثل هذا الأمر هو ضرب من الخيال، والرجل يبدو جادا في أنه قبل المهمة الموكلة إليه وأنه ماض فيها إلى النهاية. لا تستعجلوا، واسمحوا لي هنا أن أقول للذين لا يعرفون من هو عبد العزيز جرّاد، أو للذين يعتقدون أنه واحد من رجال العصابة، انتظروا قليلا ودعوني أعرّفكم ببعض أفكار الرجل ولتحكموا بعدها بأنفسكم. عبد العزيز جرّاد رجل مؤمن بالحراك الشعبي الذي أشعل الجزائر منذ 22 فبراير، بل منذ إعلان القضاة انضمامهم للحراك لم يتورع هو عن تحريض بقية التنظيمات النقابية والمهنية للوقوف في وجه الداعين إلى انتخابات 4 يوليو ومنع إجرائها أو حتى عدم الاعتراف بها. أكثر من ذلك فقد صرّح علنا وجهرا أن الإصرار على تطبيق المادة 120 من الدستور لوحدها أمر سخيف، وأنه من الأسلم لإخراج الجزائر من أزمتها تفعيل المادتين 7 و8، مؤكدا أن هذه الخطوة لا تعني أبدا قفزا على الشرعية الدستورية، بل هي عبن الاستجابة لمطلب شرعي ينادي به الشعب الجزائري. عبد العزيز جرّاد، الذي أحدثكم عنه والذي عينه الرئيس الذي رضي لنا به رئيس الأركان الراحل قبل أيام، لم يتردد كثيرا للتأكيد على أن الجزائر تعيش “أزمة ثقة كبيرة بين الشعب وحكامه”، وأن “إبعاد الباءات الثلاثة مطلب شرعي وسويّ لدفع البلد نحو الأمام وتجاوز هذه الأزمة”. وتوقع أيضا أن رحيل رئيس المجلس الدستوري (بلعيز) من شأنه أن يفتح الباب أمام رحيل رئيس الدولة (بن صالح) وتغيير الحكومة (بدوي). جرّاد حذر من خطورة “الوصول إلى حل يأتينا برئيس منزوع السلطات أو بسلطات متهالكة”، وهو مؤيد لتأجيل موعد الاقتراع في الآجال الدستورية “إذا كان ذلك سيؤدي إلى انتخابات يقبل بها الجزائريون دون مشاكل”. وهو أيضا مؤمن بأن الحل الأمثل يكمن في بروز “أرضية يشارك فيها الجيش والمعارضة وممثلو الحراك لتحضير الانتخابات”. ربما الكثير لا يعلم أن جرّاد من الذين لا يتصورون إجراء انتخابات ونور الدين بدوي مشارك في الإشراف عليها. هل تريدون أن تعرفوا عن رئيس حكومتكم أكثر؟ إنه القائل إن “التركيبة البشرية للبرلمان الحالي لا يمكن قبولها إطلاقا”. وسيزيد إعجابكم بالرجل عندما تسمعونه ينتقد بنبرة، تكاد تكون شتما، أعضاء المجلس الوطني ومجلس الأمة وهم يظهرون “مبتهجين بتنصيب عبد القادر بن صالح رئيسا للدولة”. ولم يصدّق ما رآه من نواب حزبي الأغلبية الذين قال عنهم إنهم “أبدوا إنكارا غير طبيعي لما يجري في الشارع وكانوا يعتقدون أن الحراك الشعبي سيتحلل تدريجيا وسيعودون مرة أخرى إلى أروقة السلطة”. أما عن شروط تنظيم الانتخابات رئاسية ذات مصداقية فرأيه هو أنه لا بد من “مراقبة شعبية ودولية” لها. من أمنيات عبد العزيز جرّاد أيضا “أن تفرز الانتخابات الرئاسية جيلا جديدا ووجوها جديدة وكفاءات مشهودا لها لتسيير البلد اقتصاديا، ماليا، ثقافيا”، وأهم شيء بالنسبة إليه هو أن “تشعر الشبيبة أنها ممثلة حقا في هياكل السلطة”. هذا هو، أيها الأفاضل، عبد العزيز جرّاد كما لم تكونوا تتصوروه. وعندما أقول لكم إنني أتوقع أن يقدّم استقالته اليوم قبل الغد فلا تسخروا مني. قد تسألون لماذا يقبل من البداية تكليفه بهذا المنصب ليستقيل بعد ذلك مباشرة؟ وسأرد عليكم بالقول إن الرجل على درجة من الثقافة والدهاء، ومن شدة تعلقه بمطالب الحراك الشعبي فإنه قرر أن يُهدي دوائر السلطة المتآمرة على الشعب فضيحة مدوية ويجعلهم أضحوكة أمام العالم وأمام الجزائريين بالخصوص. توقعوا إذن منه خطابا يعلن فيه أن خطة السلطة التي أوصلت تبون إلى الرئاسة ليست شرعية وأنه إنما قبل بالمنصب حتى يتمكن الرأي العام من سماع كلمة الشعب الذي يملأ الشوارع مطالبا بإعادة البلد إلى سكة الشرعية المغتصبة منذ عقود طويلة. وما أتمناه فعلا هو أن يقف جرّاد إلى صفي ولا يجعلني أضحوكة أمام من يقرأ هذا المقال. أقول هذا لأني رجل أملك من حسن النوايا ما يكفي لأكون مصدّقا لرجل له من الشهادات أعلاها ومن الخبرة الجيوسياسية أوسعها، ومن خصال المنطقة التي أنجبته ما يكفي لأن يكون رافضا للعمل تحت إمرة رجل منزوع أو منقوص الصلاحيات (والوصف له)، أو أن يتوجه لطلب التزكية من برلمان يرى أنه متآمر على الحراك ولا علاقة له بالشرعية الشعبية. تفاءلوا خيرا، فإن تبون قد وعدكم بمد يده إلى الحراك، وقد مدّها فعلا ووقعت على يد واحد من أبناء الحراك الصادقين المخلصين فكلفه بمهمة تشكيل حكومة من الكفاءات الشابة. وقد وقع اختيار ممثل الحراك بدوره على واحد من أبرز الرجال الذين يشهد لهم التاريخ أنه حارب الفساد ليكون ذراعه الأيمن في الأمانة العامة للحكومة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى