أرشيف زاد دي زاد

سيئات زروال

يريد جزء من الجزائريين الانتقال إلى مرحلة متقدمة من الحراك الشعبي، بعضهم يحذوه التفاؤل وآخرون مستعجلون، مع أن ثلاثين يوما في عمر الأمم لا تساوي ثانية من التوقيت الأرضي.

من حق الشعب أن يفرح ويعيش ساعة سعادة يرى فيها نفسه متحررا من بطش عصابة تتداول عليه منذ نحو ستين عاما، ومن حقه أيضا أن يلمس تغيرا حقيقيا في حياته ومحيطه، تغيرا يفتح له نافذة أمل لا تشوبه مخاوف تهديدات ومؤامرات الدولة العميقة والانتهازيين.

لست متأكدا هنا من هوية الذين يروجون لبعض الأسماء المرشحة لتولي مهمة تسيير المرحلة الانتقالية. لا يمكنني أن أقول إنهم صادقون، أم انتهازيون، لكن عندما يتعلق الأمر بأسماء محددة لن أتردد في التأكيد على أن الغفلة ليست من شيم الحريصين على أن لا يلدغوا من الجحر مرتين.

أنا أتكلم عن أسماء، بصيغة الجمع، لكني هنا سأتوقف عند اسم واحد أرى أنه بدأ يشق طريقا له عبر بعض وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، بل وحتى في شعارات المتظاهرين (أنا شخصيا لم أر ولم أسمع ذلك لكن زبيدة عسول أكدته في حوار تلفزيوني استمعت إليه)، ويتعلق الأمر بالرئيس السابق اليمين زروال.
لعل الملايين من الشباب الجزائري الصاعد والذي يملأ الشوارع منتفضا لا يعرف كثيرا عن اليمين زروال، وهذا ما يدفعني إلى المساهمة في التعريف به وفق ما عشت ورأيت.

لا يعتقدن أحد أنني أتحامل على الرجل أو أن لي حسابا معه أصفيه، بل كل ما في الأمر هو أني حريص على نقاء وطهارة المرحلة الانتقالية التي يطمح الشباب الجزائري لركوبها نحو جزائر طاهرة صادقة آمنة ومتحررة. وهذا ما سأحاول الخوض فيه لاحقا لأن هناك شوائب كثيرة يراد لها أن تلتصق بهذه الانتفاضة.

الذين يحاولون ترسيخ اسم اليمين زروال في رزنامة الحراك الشعبي يجتهدون دائما في تقديم حسناته وصفاته الإيجابية، ومنها أنه رجل عسكري من جيل الثورة، وأنه معروف بمواقفه الوطنية وبأنه لا يرضى بالذل، الأمر الذي جعله يستقيل من منصبه كجنرال في الجيش ويستقيل من منصبه كسفير للجزائر في رومانيا ويستقيل أخيرا من منصبه كرئيس للجزائر عندما أعلن عن تقليص فترة حكمه وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة. هذا الوجه الظاهر أو الباطن من شخصية الرجل، فماذا عن الوجه الآخر؟
لمن لا يعرف الرجل، أو لمن نسي، أقول إن اليمين زروال رأس الجزائر مرتين متتاليتين، الأولى رئيسا للدولة، أي بدون انتخابات في وقت كانت الجزائر تعيش أزمة أمنية خطيرة، والثانية رئيسا منتخبا في انتخابات تعددية لا تختلف كثيرا عن الانتخابات التي تلتها.

الجزائريون الشباب يطالبون اليوم برحيل النظام وكل الفاسدين. ولا أحد يشكك في أن من أبرز رؤوس ورموز الفساد شخص يدعى أحمد أويحيى وحزب اسمه التجمع الوطني الديمقراطي. فهل يعرف شباب الحراك الصادق أن الرجل الذي أمر أو على الأقل وافق على تأسيس هذا الحزب هو نفسه اليمين زروال؟ وهل يعرف الشباب الملتهب غيظا أن أول منصب حكومي تقلده أحمد أويحيى كان في وقت اليمين زروال؟

هل قرأ الشباب الجزائري المخدوع ما كُتب عن الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 1997؟ تلكم الانتخابات التي أسست للتزوير المفضوح والشنيع في تاريخ الجزائر. نعم تلك الانتخابات الفاسدة التي رفعت التجمع الوطني الديمقراطي إلى واجهة الحكم المحلي والوطني في البلد جرت في وقت كان فيه اليمين زروال رئيسا للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.

وقتها أيضا كان على رأس الحزب المزوّر رجل يدعى عبد القادر بن صالح، نعم إنه هو الذي يوجد اليوم على رأس مجلس الأمة والمرشح الدستوري للجيش ليكون رئيسا انتقاليا. فتخيلوا اليمين زروال عائدا إلى الواجهة التي يوجد فيها عبد القادر بن صالح!

القائمة لا تزال طويلة، لكني أختم بآخر “خصلة” لليمين زروال، هذا الرجل الذي يريده بعض الجزائريين قائدا للمرحلة الانتقالية. عندما قرر زروال مغادرة قصر المرادية بعد أن خسر نزالا مريرا خاضه ضده جنرالات الحكم وعد الجزائريين بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، وكان ذلك الوعد محفزا لعدة شخصيات متأصلة في لعبة السياسة لكي تترشح، من بينهم حسين آيت أحمد ومولود حمروش. لكن هل لا يزال الجزائريون يذكرون ماذا حصل حينها؟ نعم، تلك الانتخابات هي التي جاءت بعبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجزائر، والذي سلمه مقاليد الحكم كان اليمين زروال في لقطة اعتبرها البعض تاريخية على اعتبار أن الحكم في الجزائر كان ينتقل إلى الحاكم الجديد في غياب القديم.

نعم يا سادة، اليمين زروال هو الذي رضي أن يكون بوتفليقة رئيسا للجزائر، وهو يعلم علم اليقين أن الجنرالات الذين أزاحوه هم الذين اختاروا بوتفليقة ليكون حصانهم الجديد.

ليس عيبا أن يكون بوتفليقة رئيسا أو أن يسلمه زروال مقاليد السلطة لولا أن ما جرى كان نتيجة انتخابات مزورة ميزها انسحاب جميع المرشحين الآخرين في آخر لحظة، في موقف تاريخي كان زروال وقتها قادرا على استغلاله لتعديل وجهة القطار لولا أنه كان مستعجلا القفز من السفينة ومستسلما للأمر الواقع.

قبل أن أختم، لا بد لي هنا من الاعتراف لليمين زروال بخصلة أعتبرها شخصيا جديرة برجل ثابت لا يقدم الاعتبارات السياسية على الرجولية. زروال كان من القلائل الذين ثبتوا على موقفهم بعدم مقابلة بوتفليقة ولا الظهور إلى جانبه أمام الكاميرات رغم حرص هذا الأخير على إسقاطه في الفخ ومحاولاته المتكررة.

قابلت في جلسات خاصة كثيرا من خصوم بوتفليقة المفترضين أو لنقل منتقديه، ومنهم الرئيسان الشاذلي بن جديد وعلي كافي والأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني عبد الحميد مهري والجنرال نزار وغيرهم، وكلهم انتهوا إلى الرضوخ (مكرهين على الأغلب) لابتزاز بوتفليقة الذي ضحك عليهم كما ضحك على ملايين الجزائريين وأبكاهم.

آخر نصيحة لشباب الحراك أن يفكروا مرتين قبل أن يرضوا باليمين زروال مسيرا للمرحلة القادمة أو ضمن الفريق الانتقالي.. فإن كانوا فعلا لا يريدون بوتفليقة لمهمة تأسيس الجزائر الجديدة بسبب فساد مرحلة حكمه، فعليهم أن يدركوا أيضا أن فترة حكم زروال لم تكن هي الأخرى خالية من الفساد والمفسدين.

ثم من يضمن لكم أن لا يستحضر زروال “خصلة” استقالاته فيغادر غرفة القيادة في أي لحظة لأي سبب من الأسباب؟!


المقال نشر يوم 27-03-2019

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى