… على استحياء!
زيارة الرئيس الجزائري الأسبق اليمين زروال إلى مقر الرئاسة ولقاؤه الرئيس عبد المجيد تبون قد تكون من أهم الأحداث التي يتعين على هذا الأخير أن يدرجها في سجل إنجازاته الرئاسية. فهو قد نجح (بالصماتة) في تحقيق ما عجز عنه عبد العزيز بوتفليقة وشقيقه سعيد طيلة عشرين سنة من المحاولات المتكررة من أجل استدراج زروال إلى مقر الرئاسة أو إلى أي حدث يمكّن بوتفليقة من التقاط صورة تذكارية علنية له مع الذي فتح له باب قصر المرادية عام 1999.
نجح بوتفليقة (لا أدري هل بسبب قوة حيلته أم لسذاجة غيره) في جمع ثلاثة من الرؤساء السابقين الذين كانوا أحياء في عهده، وأعني بذلك أحمد بن بلة، الشاذلي بن جديد وعلي كافي، وكان حريصا على أن يكمل القائمة باليمين زروال لكن هذا الأخير استعصى عليه لأسباب أرجّح أنها ذاتية بحتة. بوتفليقة لم ينجح فقط في التقاط صور له مع الرؤساء السابقين الذين أساء لهم بلسانه السليط وقلة أدبه (بالنسبة لعلي كافي والشاذلي بن جديد على وجه الخصوص)، وأيضا بتآمره للإطاحة بأحمد بن بلة عام 1965؛ بل تمكن كذلك من جلب أعتى جنرالين متقاعدين وجعلهما يظهران إلى جانبه (ذليلين)، مع أنهما كانا لا يطيقانه وكانا على خصومة ظاهرة معه، وأقصد بهما خالد نزار ومحمد العماري.
أما زروال، فقد حافظ على رفضه جميع العروض وكان يرد في كل مرة على إلحاح بوتفليقة بموقف ثابت جعلني أسجّل لصالحه هذه النقطة. لذلك وجدتني أتوقع أن يظل زروال رافضا دخول قصر الرئاسة مرة أخرى، مع أنني أعلم تماما أن شخصية هذا الأخير ومنطق تفكيره لا يتوافقان أبدا مع الأسباب التي أضعها لنفسي كمبرر لتفادي التورط مع بوتفليقة وتبون أو من كان سيحل محلهما بنفس الآليات والمخططات المعهودة منذ استيلاء جماعة وجدة على منظومة الحكم في الجزائر.
لقاء زروال وتبون لا أرى فيه أي حدث ذي شأن عام يهم البلد والجزائريين، بل أدرجه في خانة الأجندات الشخصية واللقاءات الخاصة لكلا الرجلين هنا وهناك. وفق هذا المنطق، كان يفترض بي أن أمتنع عن بذل أي جهد أو وقت في الكتابة عن هذا “اللاحدث”، لولا أن فضولي وسقوط رهاني حتّما عليّ أن أتابع تفاصيل الخبر لعلي أجد فيه شيئا جديدا.
لم أجد في الحكاية شيئا يُذكر، ومع ذلك وجدت نفسي مجبرا على كتابة هذه الأسطر لعلي أجد أحدا يفيدني ببعض الأجوبة على التساؤلات التي رافقتني وأنا أتابع تفاصيل واحد من أهمّ الأهداف التي يسعى تبون لتسجيلها ضد “عصابة العهد البائد”. وهنا لا بد لي أن أؤكد، لمن يريد أن يسمع، أنّ كل ما يحدث على ساحة الحُكم منذ سقوط بوتفليقة ليس إلا مباراة لا أهداف من ورائها إلا تبادل الضربات بين فريقي “عصابة العهد البائد” و”عصابة الجزائر الجديدة”، وكل ما ينجرّ من وراء ذلك لا يمكن إلا أن يُدرج ضمن هذه المباراة. أما إذا حدث أن تحققت للشعب بعض الفوائد من جنبات هذه الحرب، فنصيحتي أن لا يكون ذلك مدعاة للإفراط في التفاؤل أو تصديق أن الكفّة قد رجحت لصالح حكم الشعب ومصلحته. ذلك أنه مثلما قد تكون النتائج الجانبية إيجابية، بالإمكان أن تكون سلبية وضارة بالشعب، وفي كلتا الحالتين على هذا الشعب أن يتأكد أن المتصارعين في حلبة الحكم لا يهمهم كثيرا أن يستفيد الشعب أو يتضرر، بل كل ما يسعون إليه جاهدين هو تسجيل أهداف ضد بعضهم البعض.
أعود إلى لقاء زروال مع تبون وأفترض هنا أن الذي رأيناه هو فعلا الرئيس الأسبق اليمين زروال، لأن الحظ لم يسعفنا إلا لرؤية رجل مقنّع بكمامات (لزوم الكورونا) ونظارات شمسية داكنة أصرّ ضيف المرادية أن يبقيها على عينيه حتى وهو داخل البناية. رجل أصرّ المضيف نفسه على أن لا يكشف لنا هويته، وقد اختار أن يقدّمه للشعب أمام الكاميرات بوصفه بـ”الأمانة“.
وأكتفي هنا بطرح تساؤلين فقط، حضراني وأنا أتابع وقائع الفتح المبين. أولهما أخص به اليمين زروال الذي وجدتُ وسواسي يدفعني لإيجاد تفسير لموافقته بقبول دعوة تبون وإصراره في نفس الوقت على البقاء طيلة الزيارة منقّبا بالقول إنه ربما فعلها (على استحياء). أما التساؤل الثاني فهو عن محتوى الحديث الذي دار بين الرجلين وماذا كان يفعل زروال في القصر الذي نزل فيه خمس سنوات وغادره قبل واحد وعشرين عاما. هل توسع الحديث إلى نقاش حول مشروع الدستور مثلا، ثم إلى زيارة لتفقد أحوال القصر ومحاولة استرجاع بعض من الذكريات؟ أقول هذا لسبب بسيط وهو أن البيان الرئاسي لم يخبرنا بأي شيء بخصوص محتوى الزيارة (الودّية)، بينما علمنا من التلفزيون الحكومي أن الزيارة بدأت بعد الظهر، يعني على الساعة الثانية على أقصى تقدير وانتهت مع موعد صلاة المغرب (الثامنة وبضع دقائق)، بدليل أن تصريحات زروال وهو يغادر القصر لم تُذع ضمن الخبر الرئيسي لنشرة الثامنة، بل اضطر القائمون على النشرة إلى إعادة الخبر مشفوعا بالتصريح بعد نحو خمس عشرة دقيقة، أي بالتدقيق بعد أذان المغرب. حينها قال لنا المذيع إن الزيارة “اختُتمت منذ لحظات”، وهذا يعني أن المدة التي يكون قضاها زروال هناك لا تقلّ عن ست ساعات بحسابات وسائل الإعلام الرسمية.
أتمنى من صحافتنا الاستقصائية أن تخبرنا بواحد من هذه الأمور الثلاثة:
- الزيارة لم تكن بعد الظهر مباشرة، مثلما أعلنته بالصورة الموثقة وسائل الإعلام الرسمية و(الرسمية)، بل بعدها بساعات.
- الزيارة لم تختتم مع موعد صلاة المغرب، مثلما أعلن مذيع نشرة التلفزيون الرسمي بعظمة لسانه.
- ماذا كان يفعل زروال في قصر المرادية لست ساعات على الأقل، ورجاءً لا تقولوا لي إنه كان يلعب الدومين، وبالنظارة الشمسية!
المعادلة سهلة:
الرئيس راهن على الضيف لكن الضيف مرر رهانه إلى الشعب.
رسالة الضيف واضحة:
الشعب يقرر نقطة إلى السطر.