مقالات

فرصة ذهبية لتبون

قصة تحويل مساعد وكيل الجمهورية (محمد بلهادي) من إحدى أهم محاكم العاصمة إلى محكمة ڤمار في ولاية الوادي بالجنوب الجزائري ليست كلها محزنة أو سلبية، بل فيها على الأقل نقطة إيجابية أو لنقل اثنتان وسأبدأ بهما قبل أي حديث آخر.

النقطة الأولى هي أن قاضي النيابة، كان محظوظا لأن وزير العدل لم يتخذ قرارا بعزله نهائيا من الخدمة أو بتقديمه إلى المجلس التأديبي لمعاقبته على الإثم الذي ارتكبه عندما رافع من أجل إطلاق سراح مجموعة من معتقلي الحراك وصرح أنه يرفض أن يأتمر بتعليمات فوقية تأتيه من هنا أو هناك. أما النقطة الإيجابية الثانية في هذه الحكاية فسأقدمها في شكل تهنئة لأهالي مدينة ڤمار الذين رزقهم الله، من حيث لا يدرون، بقاض أغضب عليه سلطات البلاد وهذا في حد ذاته أمر يبشر بالخير وبقرب إطلاق سراح معتقلي الحراك. ربما كان وزير العدل تصرف بنية سيئة، فسأل عن المدينة التي لا يوجد فيها معتقل رأي واحد فقيل له إنها ڤمار فقرر، وفقا لذلك، أن يوفد محمد بلهادي إليها حتى لا يستمر في غيه. لكن ربما فات الوزير أن مظالم القضاء ليست وليدة الحراك، كما أنها ليست سياسية فقط، بل هي منتشرة في الزمان والمكان.

أما في ما يتعلق بالجوانب الأخرى من قصة مساعد وكيل الجمهورية (وهو بالمناسبة ليس الوحيد)، فلن أخوض في أي خطاب تنديدي أو انتقادي لما حصل لأن هناك من سبقني إلى ذلك وأنا بطبعي لا أريد اجترار الكلام وأفضل معالجة أو طرح بعض القضايا من زوايا أخرى مخالفة. لكن قبل ذلك لا بد لي هنا من التوجه إلى إخواني الصحفيين العاملين في الميدان، فأقول لهم إنني تمنيت لو أن أحدا منكم فكر في إضافة شيء جديد إلى القصة بدل انتظار بيانات نقابة القضاة وغيرها أو هتافات الحراكيين. كان بإمكان الزملاء أو أحدهم على الأقل أن يبحث عن هذا القاضي فيجري معه حوارا (خاصة أنه أبدى قابلية لكسر الطابوهات)، أو على الأقل يسأل عنه هنا وهناك فيقول لنا من هو هذا القاضي، أين درس وأين اشتغل وأيضا أن يخبرنا إن كان له ماض مشبوه أو علاقة بجهة ما في عصب الحكم، وما هي أبرز القضايا التي مرت على يده.

أقول هذا لأنني أحمل اقتراحا إلى الرئيس تبون (على اعتبار أنه هو الحاكم الفعلي وصاحب القرار في الدولة)، لكن قبل ذلك بودي أن أتأكد أن هذا القاضي (محمد بلهادي) نظيف ونزيه قلبا وقالبا ولم يتورط من قبل في تلقي التعليمات الفوقية أو سجن وظلم الأبرياء. فإذا ثبت ذلك فأرى أن الأقدار قد ساقت إلى الرئيس تبون فرصة ليثبت أنه فعلا صادق في وعده المتعلق ببناء “الجمهورية الجديدة” التي ينشدها “الحراك المبارك”. نعم، هذه فرصة للسلطة التنفيذية وللرئيس تبون على الخصوص للتقرب بشكل صادق من الشعب. وكل ما عليه أن يفعله هو أن يقيل وزير العدل الحالي ويعين بدلا عنه محمد بلهادي، فيكون بذلك ضرب أكثر من عصفورين بقرار واحد. فقرار مثل هذا سيعيد أولا الاعتبار ليس للقاضي المهان وحده، بل لجهاز القضاء بصورة عامة، إضافة إلى أنه سيخطو خطوة إيجابية في تكريس مبدأ استقلالية القضاء، كما أنه سيطمئن إلى أن الوزير الجديد سيكون أحسن ساهر على تطبيق هذا المبدأ في الميدان من خلال عمله وأيضا من خلال ما سيتخذه من قرارات لإعادة الاعتبار إلى القضاة المبعدين الآخرين بسبب استقلاليتهم. وسيكون القرار أيضا عقابا لوزير العدل الحالي على إصراره على إثارة الفتنة في الشارع الجزائري.

لست متأكدا إن كان هذا الاقتراح سيلقى صدى، لكن ليتأكد الجميع أن هناك أدوات لقياس مدى صدق النوايا والتصريحات، وأن الحاكم مهما كان مرفوضا أو مفروضا فإن بإمكانه أن يحارب الشكوك ومشاعر الرفض بعمل صالح يقربه إلى الشعب، والتاريخ القديم والحديث مليء بالأمثلة “لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد”.

اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى