في الجزائر.. دستور لكل رئيس ورئيس لكل الأزمان!
دخلت الجزائر رسميا نادي الجملوكيات العربية كعضو كامل الحقوق والامتيازات، والفضل في ذلك يعود، بطبيعة الحال إلى صاحب الفخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي أعلن الأسبوع الماضي في خطاب بمناسبة افتتاح السنة القضائية في الجزائر عن قراره عرض تعديل جزئي للدستور على البرلمان يتخلص بموجبه من المادة 74 التي تمنع الرئيس من البقاء في منصبه لأكثر من فترتين متتاليتين. وبما أن الجزائر لا يمكن أن تكون كأمريكا فإنها سرعان ما تخلصت من هذا العبء وعادت إلى حظيرة البلدان العربية الأصيلة، بلدان يحكمها رؤساء يعينون في مختبرات السلطة المظلمة ولا تزيحهم إلا الدبابة أو العناية الإلهية.
وبما أن الشعب أو الإرادة الشعبية لم يعد لها أي معنى في مثل هذه القرارات، فإن الرئيس بوتفليقة قرر أن يعفي الشعب من مشقة الاهتمام بقضية لا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد، فيكفيه أن يهتم بالبحث عن عمل يشغله ومسكن يأويه وخبز يأكله، أما شؤون الحكم فهي من اختصاص الدوائر المغلقة الساهرة على استقرار البلد، وأهم ركن مطلوب لتحقيق هذا الاستقرار هو استقرار نظام الحكم. بوتفليقة اكتفى إذن بأخذ رأي البرلمان لتمرير التعديلات (الجزئية والمحدودة) للدستور. وبما أن البرلمان الجزائري لم يعص في تاريخه أمرا للرئيس وأصحاب القرار الآخرين، فإن علينا أن نهنئ من الآن أنفسنا بدخول التعديل الدستوري حيز التنفيذ، ولولا الخوف من اتهام نظام الحكم الجزائري بتجاوز أحكام الدستور لاقترحت على صاحب الفخامة أن يعلن عن دستوره المعدل الآن بقرار رئاسي وأنا أضمن له أن نواب البرلمان الأفاضل سيهللون ويباركون، بل إنهم يفعلون!
الرئيس بوتفليقة انتظر عشرين سنة خارج الحكم، متنقلا بين سويسرا والإمارات، وعندما عُين رئيسا لم يعد لأحد الحق أن يمنعه من البقاء في الحكم ما شاء له الله، لا الدستور ولا الشعب، فهو لا يزال في مرحلة العطاء وعمره (71 سنة) يؤهله لقيادة البلد سنوات وسنوات. وأذا أراد أحد أن يسأل لماذا يريد فخامة الرئيس هذا، فعليه أن يختار أحد الردين، الأول أن برنامج فخامته طويل وعريض لا يمكن أن تستوعبه عشر سنوات ولا خمسون سنة، وبما أن الجزائر تشهد تطورا وارتقاء إلى مصاف البلدان المتطورة فلماذا نلجأ إلى التخلي عن الحصان الرابح. البلد في تقدم مستمر ولا بد أن نشجع (أو على الأقل نترك) فخامته يواصل تطبيق مشروعه العظيم الذي بدأه ونسأل له العمر المديد حتى يوصل البلد إلى مرفأ الأمان. وإذا كان الرد الأول غير مقنع نقول إن الجزائر بلد عربي لرئيسه كل الحق أن يبقى في الحكم ما بقي له قلب يخفق وعين ترمش، تماما مثل كل أصحاب الفخامة الآخرين الذين تلد بلدانهم رجلا واحدا قادرا على أن يحكم الدهر كله.
إلى حد كتابة هذه الأسطر لا أحد من خارج دوائر الحكم يعرف كم هي سنوات الفترة الواحدة التي حددها التعديل الدستوري الجزائري (الجزئي والمحدد)، هل ستبقى خمس سنوات أم سترتفع إلى سبع. ولو تسنى لجماعة الحكم أن يأخذوا برأيي لاقترحت عليهم أن يجعلوها ألف سنة إلا خمسين عاما، وهذا حتى نعفي الشعب من عناء التوجه إلى صناديق الاقتراع كل خمس أو سبع سنوات، فالشعب هو نفسه قبل أربعين سنة وهو نفسه اليوم وغدا، وعندما يختار رئيسه بكل حرية وديمقراطية فإنه يدرك تماما أنه يختار الأفضل والأصلح والأنسب وهو لن يغير رأيه فيه مهما حصل، فلماذا إذن نشكك في اختياره في كل مرة ونطلب منه اختيار رئيس جديد والجميع يعلم أنه لن يحيد عن اختياره وأن صناديق الاقتراع ستفرز نفس النتيجة في كل مرة؟!
الرئيس بوتفليقة قال إن التعديل الدستوري المرتقب سيتمحور حول ثلاثة محاور هي: “إعادة التنظيم والدقة وتوضيح الصلاحيات والعلاقات بين مكونات السلطة التنفيذية دون المس بتوازنات السلطات”. وأيضا “حماية رموز ثورتنا المجيدة كي لا يستطيع أحد المس بها وتغييرها أو التلاعب بها”. وأخيرا “ترقية الحقوق السياسية للمرأة وتوسيع تمثيلها في المجالس المنتخبة على كافة المستويات”. هذا يعني أن علينا أن نتوقع بعد الإعلان عن ميلاد الدستور المعدل تعديلا “جزئيا ومحدودا” أن يكون الشعب الجزائري يعلم بدقة ووضوح صلاحيات وطبيعة العلاقة بين مكونات السلطة التنفيذية، وإن كان عليه أن يبذل جهدا أكبر ليعلم ما هي مكونات السلطة التنفيذية، هل هي رئيس الدولة ورئيس حكومته؟ أم أن هناك جهة أخرى تشارك أو تنافس الرئيس ورئيس حكومته في صلاحياته أراد الرئيس أن يتغلب عليها في تعديله الجديد؟ أم لعل التعديل سيجعل ما يعرف اصطلاحا بالسلطة الخفية سلطة ظاهرة فيحدد مهامها ودورها وطرق عملها، ثم يحدد أي المكونات تكون تابعة أو تحت سلطة الأخرى.
وحتى لا يقال إن فخامته كان أنانيا عندما قرر أن يستغل التعديل الدستوري لتأبيد فترة حكمه وتوسيع صلاحياته، فقد أدرج في التعديل مادة أو أكثر تمنح المرأة الجزائرية حقوقا معلومة ومقاعد بنسب معينة في المجالس البلدية والمحافظات وغرفتي البرلمان، وهذا طبعاً ليس تدخلا في إرادة الشعب الذي يقرر من يوكل له أمر تسيير شؤونه في البلدية والبرلمان، بل مساعدة له لأنه لا يزال جاهلا بما يليق به. فالمرأة كما يقال عندنا هي نصف المجتمع وفضلا على أن الرسول قد أوصانا بالرفق بها فإن الاعتناء بها (ولو بطريقة غير دستورية) صار الآن شرطا من شروط نيل رضا الديمقراطيات الحديثة والقوى العظمى في العالم. ولا نستبعد في ظل هذا الاهتمام الكبير الذي يوليه الرئيس بوتفليقة بالمرأة في برنامج عمله أن يفاجئ الرأي العام بتعيين امرأة رئيسة للوزراء أو في منصب نائب الرئيس.
الرئيس بوتفليقة كان منذ توليه منصب الرئاسة في 1999 معارضا لدستور 1996. لم يغيره طيلة السنوات الماضية لأنه كما قال كان مرتبطا بمواعيد أخرى أهم، لكن ذلك لا يعني أنه كان ملتزما أو حريصا على أن يحترم الجميع ما جاء في الدستور الساري. كان يقول إنه لا يحب هذا الدستور، ولم يكن يخفي كرهه له، لهذا لم يكن أحد يلومه عندما كان يتجاوز أحكامه.
والآن وبعد هذا التعديل (الجزئي والمحدود)، هل سيتغير شعور فخامته نحو دستور الجزائر فيحاول أن يلتزم بأحكامه ويصونه ويحترم مبادئه مثلما أشهد الله عليه عند توليه منصب الرئاسة في 1999 وعند تدشينه فترته الثانية عام 2004؟ قد يفعل وقد لا يفعل. فإذا أحبه فلأنه أدخل عليه تعديلاته (الجزئية والمحدودة)، وإذا ظل يكرهه فعذره معه، وعلينا أن ننتظر سنوات أخرى حتى يتمكن من تحقيق وعده الذي قطعه على نفسه ولم يستطع تنفيذه وهو إجراء تعديل واسع وشامل على الدستور، وهو وعد أو مشروع لم يتخل عنه بعد مثلما أكد لمن أراد أن يسمع في خطابه الأخير.
قد يقول قائل لماذا يتكلم الجميع وكأن بقاء بوتفليقة في الحكم أمر لا مفر منه؟ أو كأن انتخابات الرئاسة القادمة ستكون بمرشح واحد هو فخامة الرئيس بوتفليقة. قد يكون هذا صحيحا، لكن الأهم هو أن بوتفليقة يؤمن بذلك ولا شك عنده أنه سيفوز في الانتخابات القادمة وسيبقى رئيسا للجزائر ما شاء. ولمن يشك في ذلك عليه أن يقرأ مرة أخرى هذه الجملة التي شدد عليها في خطابه الأخير “وإذا تم استبعاد فكرة التعديل الدستوري عن طريق الاستفتاء (الشعبي) إلى حين، فإن هذا لا يعني التخلي عنها”. هل بقيت بعد هذا التأكيد حاجة إلى تنظيم انتخابات رئاسية وإلى تقدم مرشحين لمنافسة فخامته على حق من حقوقه التي يتمسك بها؟! وهذا سيكفي الجزائريين على الأقل شر التنقل في كل مرة إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس له.
المقال نشر يوم 04-11-2008