قايد صالح بخطى متثاقلة
“الجزائريون رحبوا بدعوة قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح إلى تفعيل المادة 102 من الدستور، إلا أن أشخاصا اجتمعوا لشن حملة إعلامية ضد الجيش لإيهام العالم أن الجزائريين يرفضون تطبيق المادة 102 من الدستور..”
هذه باختصار أهم رسالة يريد قايد صالح تمريرها في البيان الذي تلاه خلال اجتماع بوزارة الدفاع. أما الرسالة الأخرى فهي أن رئيس الأركان موافق على أن المادتين 7 و8 من الدستور يجب أن تؤخذا بعين الاعتبار عند البحث عن أي حل قادم للأزمة التي تواجه النظام الحاكم في الجزائر.
لغط كبير أعقب تصريحات رئيس الأركان، والتعليقات السريعة بدأت تحول مسار الأحداث إلى تركيز النقاش والاهتمام على ما صار البعض يسميه بالخلاف أو الانشقاق في صفوف مؤسسات الحكم، والكلام هنا مقصود به أساسا نشوب أزمة بين آل بوتفليقة وقايد صالح ومن والاه.
ثم جاء “السبق الإعلامي” الذي كشف للجزائريين أن لقاء جمع سعيد بوتفليقة والجنرال طرطاق والجنرال توفيق (نعم الجنرال توفيق) وممثلين عن المخابرات الفرنسية، تم خلاله وضع خطة لإبطال مفعول المادة 102 من الدستور.
بعض القراءات سارعت إلى الحديث عن هذا الاجتماع على أنه نفسه الذي تحدث عنه قايد صالح عندما قال إن أشخاصا معروفين اجتمعوا لشن حملة ضد الجيش وإيهام الرأي العام بأن الجزائريين يرفضون تطبيق المادة 102، مع أن قايد صالح قال إن هؤلاء الأشخاص المشبوهين اجتمعوا يوم السبت 30 مارس بينما “السبق الإعلامي” يقول إن الاجتماع كان يوم الأربعاء 27 مارس.
لن أزيد أي شيء إلى هذا اللغط ولكني أود فقط أن أطلب من العاملين مع رئيس الأركان أن ينبهوه إلى أن الجزائريين لم يرحبوا بالدعوة إلى تفعيل المادة 102، والعالم الذي تابع مجريات مسيرات ومظاهرات يوم الجمعة 29 مارس رأوا وسمعوا وفهموا أن الجزائريين رفضوا بالصوت والصورة خيار تطبيق المادة 102 من الدستور لأنهم يعتقدون أن الأحداث تجاوزتها بكثير.
لكن إذا فهم قايد صالح أن هذا الرفض إنما هو استجابة لاجتماع يوم الأربعاء أو حتى لمخطط المشبوهين الذين التقوا يوم السبت فهنا أيضا على العاملين معه أن يوضحوا له بكلمات مبسطة أن الجزائريين لا يزالون على رأيهم في أن يتلاشى بوتفليقة وجميع أركان النظام إلى غير رجعة ومن دون المادة 102.
وليسمح لي العاملون مع رئيس الأركان أن أطلب منهم طلبا أخيرا، وهو أن يخبروا الجنرال أن المادتين 7 و8 من الدستور اللتين تحدث عنهما هما المادتان اللتان طالب الشعب الجزائري بتفعيلهما، يعني أنه كان عليه عند حديثه عن هاتين المادتين أن لا يحتكر الاقتراح لنفسه بل أن يقول إنه يوافق الجزائريين في دعوتهم إلى الاحتكام إلى هاتين المادتين وما يليهما.
الجزائري باختصار يا قائد الأركان ليس مهتما كثيرا بمواد الدستور، لأنه بكل بساطة لم يعد يثق في هذا المنشور ولا يرى فيه أي قداسة بعد الذي فعلت به الزمرة الحاكمة. وعندما ترى الناس يتحدثون عن مواد الدستور فتأكد أنما يفعلون ذلك ليقولوا لكم إذا كنتم مصرين على استعمال هذه الورقة فتأملوا فيها جيدا وستجدون داخلها ما يطمئنكم على أن هناك مخرجا دستوريا للأزمة بما يرضي الناس.
الجزائريون لا يهمهم أي مادة من الدستور ستطبقون ولا حتى أن تعلنوا أن الدستور باطل، بل كل ما يريدونه الآن هو أن ترحل العصابة وتأخذ معها دستورها وخلافاتها وتدع الجزائريين الصادقين يبنون دولتهم ويضعون دستورهم.
ملاحظة أخيرة: لعل هذه أول مرة أسمع فيها مسؤولا كبيرا في السلطة يحسن تقليد عمل وسائط التواصل الاجتماعي بأن نقل للجزائريين على المباشر (أو يكاد) وقائع اجتماع المشبوهين. ومع ذلك أقول لقايد صالح إن الجزائريين يريدون منك أن تحاول التحرك بسرعة أكبر إن شئت أن تلحق الركب مستقبلا. فقد ضيعت وقتا كبيرا قبل إعلان مقترح المادة 102، وتأخرت في الحديث عن المادتين 7 و8 من الدستور. صحيح أنك لم تتأخر في إعلام الرأي العام باجتماع المشبوهين، لكن كان أفضل لو أنك بدل ذلك قلت للناس إننا قد ألقينا القبض على مشبوهين وهذه أسماؤهم وتفاصيل أفعالهم. قديما قالوا: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك!
المقال نشر يوم 30-03-2019