ارشيف المدونة الخاصة

كيف تعيش غير شرعي.. في أمان

السلطات العمومية الجزائرية أغلقت قناة “الوطن” وقررت ملاحقتها أمام القضاء بتهمة بث حوار مع “ضيف أساء لرموز الدولة والجمهورية”. وكالة الأنباء الرسمية نقلت عن وزير الاتصال الجزائري قوله إن قناة الوطن: “تعمل بطريقة غير قانونية وغير شرعية. وأنا أعي جيدا ما أقول”، والوعي للوزير طبعا.

قناة الوطن، استمرت سنتين وهي تعمل “بطريقة غير شرعية وغير قانونية”، وهناك كم هائل من هذه القنوات “غير الشرعية وغير القانونية” العاملة في الجزائر قبل ظهور قناة الوطن وهي لا تزال إلى الآن تزاول نشاطها “غير الشرعي وغير القانوني”. أين المشكلة إذن؟

لن أطرح أي سؤال من قبيل: لماذا سمحت السلطات منذ البداية لقناة الوطن وغيرها بمزاولة نشاطاتها “غير الشرعية وغير القانونية”؟ أو لماذا لم تسارع إلى إغلاق هذه القناة وغيرها قبل اليوم تفاديا لأي “انزلاق” من النوع الذي حصل مع قناة الوطن؟ ولن ألوم أيضا أي زميل “تورط” في ممارسة “نشاط غير شرعي وغير قانوني” في الجزائر معتقدا أن الأمر عادي وطبيعي، ما دام كثيرون آخرون سبقوه إلى ذلك ولم يلاحظوا أن السلطات منزعجة من ذلك. بل، كم مرة استضافت هذه القنوات “غير الشرعية وغير القانونية” مسؤولين كبارا في الحكومة وكم من إدارة فتحت أبوابها وخزائنها لهذه القنوات؟

هل هناك خلل ما في هذه المعادلة؟ جواب كل إنسان سويّ سيكون قطعا: نعم. هل سأكون غير سويّ إذا قلت إن المعادلة صحيحة ولا خلل فيها؟ لا تستعجلوا!

وعلى كل إنسان سويّ أن يعلم أن الجزائر تحت ظل حكمها الراشد ليست أبدا كأي بلد تقاس فيه الأمور بميزان العقل والقانون كما يراها العقل البشري السويّ. في جزائر الحكم الراشد يمكنك بسهولة أن تعيش طول عمرك وأنت تمارس أنشطة غير شرعية وغير قانونية، ويمكنك أن تكدس من المال غير الشرعي وغير القانوني ما شئت، ولن يحاسبك أحد إذا أنت سلكت طرقا غير شرعية وغير قانونية لتصبح حاكما في البلد أو ممثلا للشعب في البرلمان أو البلدية. لكن الحذر كل الحذر أن تفكر يوما في أنك فعلا حاكم أو ممثل للشعب أو سياسي أو مستثمر نزيه ثم تحاول أن تتنكر لأصولك غير الشرعية وغير القانونية وتبدأ في مسيرة الانقلاب عليها. حينها فقط ستنبه السلطات وتمنحها أداة الكشف عن جوهرك غير الشرعي وغير القانوني.

أسئ كما بدا لك إلى دستور البلد وقوانين الجمهورية ودس عليها كلها، لكن إياك أن تتجرأ على الإساءة إلى “الرموز” التي سمحت لك بالممارسة غير الشرعية وغير القانونية.

رسالة واضحة على الجميع أن يستخلصها من واقعة “الوطن” إذا أراد أن لا تغضب منه السلطة. مسموح لك أن تسيء إلى الوطن وإلى قوانينه وإلى شعبه، ولكن ويحك إذا مسست بالرموز… عفوا، أقصد الرمز!


المقال نشر يوم 17-10-2015

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى