لخضر ابراهيمي والتطاول على “الذات الصحراوية”

قبل أيام عاد وزير الخارجية الجزائري، في بداية التسعينات، لخضر ابراهيمي إلى الخوض في موضوع العلاقات الجزائرية المغربية، داعيا إلى إعادة فتح الحدود البرية المغلّقة بين البلدين منذ عام 1994.
جاء كلام الدبلوماسي الجزائري السابق في إطار محاضرة ألقاها بالمدرسة العليا للشرطة الجزائرية، بمناسبة ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي شهدتها عدة مدن جزائرية ومثلها في العاصمة الفرنسية باريس تأييدا للثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.
من بين التصريحات التي نقلتها وسائل الإعلام عن لخضر ابراهيمي تأكيده على أن الخلافات القائمة بين الجزائر والمغرب تظل أكبر حاجز يمنع قطار الاتحاد المغاربي من التحرك، ونصح قيادتي البلدين الجارين بتحييد الخلاف الأزلي بينهما حول قضية الصحراء الغربية والاهتمام بتطوير علاقاتهما الاقتصادية.
كما نقلت التقارير عن الوزير السابق تأكيده على أنه “لا حديث عن مغرب عربي موحد من دون حدود مفتوحة بين الجزائر والمغرب”، داعيا إلى الاقتداء بالاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي من أجل كسر الجمود الذي يلازم اتحاد المغرب العربي.
قبل أن أتهم هذا الدبلوماسي بالتهمة الواجبة في هذا المقام، وهي (خيانة العهد والأمانة)، لا بدّ من لومه أولا على (خيانته) لثقة مضيفيه الذين أحرجهم بكلامه ذاك. فقد استغل مؤسسة رسمية تمثل رمزا من رموز الدولة الجزائرية وأيضا حضور مسؤولين وشخصيات سياسية وعسكرية سامية على غرار وزير الداخلية والمدير العام للأمن الجزائري وهو بمرتبة لواء عسكري واسمه متداول للترشح لرئاسة الجزائر، لإطلاق سهامه المسمومة، كما استغل مناسبة موعد لقائه بفخامة الرئيس بوتفليقة ليقول ما قال.
لا أدري ما هو الردّ المناسب الذي تُحضِّره السلطات الجزائرية لهذا الرجل، وأنا واثق أنها ستفعل، إلا أنني وجدت نفسي مضطرا لقول كلمة حق قد تكون أضعف الإيمان، لأن ما قاله ابراهيمي لا يمكن السكوت عنه أبداً.
والذي أغضبني منه أنه ليس سياسيا مبتدئا ولا خصما للسلطة الجزائرية ولا حتى شخصا غريبا عن دوائر الحكم التي تبسط يدها على الوطن منذ الاستقلال بلا منازع، فالرجل من رحم السلطة وعاش في أحضانها ولا يزال من الضيوف المتميزين الذين يترددون بمناسبة وبغير مناسبة على قصر الرئاسة وعلى وزارة الخارجية وأيضا على مقر إقامة فخامته.
كلام صادم فعلاً قاله ابراهيمي، يريد من حكام الجزائر أن يعلنوا عن إعادة فتح الحدود مع المغرب ويعيدوا العلاقات مع جارتهم الغربية وكأنّ شيئا لم يكن! باختصار، هذا الرجل يريد من حكامنا الميامين أن يهدموا قواعد حكم توارثوها أخا عن أخ وأن يشطبوا بجرة قلم نهجا سياسيا يسيرون عليه منذ سبعينات القرن الماضي وأن يخونوا عهدا قطعوه على أنفسهم في دهاليز مجالسهم.
أخاف على الرجل أن ينزل يوما إلى الشارع الجزائري فيناله غضب الشعب بسبب الكلام الذي بدر منه في معهد الشرطة.
هل علينا أن نذكِّرك أيها الداعي إلى الصلح بين الجزائر والمغرب أننا استثمرنا طويلا في إقامة جدار الخصومة والعداوة بين البلدين وقد بلغنا هذا المستوى من الحقد والجفاء بفضل جهود عظيمة وأموال ضخمة صرفت على هذا المشروع الفريد من نوعه، ثم تأتينا اليوم لتطلب منا (هكذا بكل بساطة) أن ننسى كل شيء ونبني جسور الوحدة والمحبة بين الجزائريين والمغاربة؟ لماذا؟ لكي يتحرك قطار الاتحاد المغاربي مثلا؟ أم لكي نطور علاقاتنا الاقتصادية كما يفعل الأوروبيون والخليجيون؟ من قال لك إن الجزائر يهمها أن تبني أية علاقة اقتصادية مع المغرب أو أنها تريد خيرا يأتيها من تلك الجهة؟ بل، من أخبرك أنّ تَعطّل القطار المغاربي يزعجنا؟ وكأنك لا تعلم أننا سارعنا إلى الإعلان عن هذا الاتحاد فقط لكي نسجل براءة الاختراع حتى لا يسبقنا أحد إلى ذلك، وبعد ذلك نستأثر بهذا الكيان ونحقنه بفيروس الشلل ثم نرسله إلى القبر لأننا لا ننتظر منه خيرا.
هل تدري أنك ترتكب المحظور عندما تدعو إلى ترك الخلاف حول قضية الصحراء الغربية جانبا. أيُّ مسّ أصابك؟ الصحراء الغربية نضعها جانبا؟ يا سلام عليك! إلا هذه. لأنه أولى بنا أن نفرّط في الجزائر وشعبها قبل أن نفرّط في الصحراء الغربية أو نضعها على الهامش. إنها هي سرّ بقائنا على قيد الحياة وسرّ تفوّقنا في جميع المجالات. فكم من الجزائريين دفعوا الثمن غاليا لأنهم تجرأوا على “الذات الصحراوية” وقالوا كلاما يشبه كلامك على مدى العقود السابقة.
جيلا بعد جيل ونحن نتعلم ونعلّم أولادنا أن المغربي أشد عداوة للجزائريين من اليهود والمنافقين الإمبرياليين وأن المغرب هو مصدر كل داء يصيب الجزائر والجزائريين، وبعد أن غرسنا هذه الأفكار النيرة والمشاعر النبيلة في عقول وقلوب الأجيال المتعاقبة تأتينا اليوم لتقول لنا انسوا كل شيء وكأن شيئا لم يكن. لا بد أنك تحلم أيها الدبلوماسي بشيء ما، لكن عليك أن تعلم أنك لن تحقق شيئا من وراء دعوتك هذه، لأن عداوتنا التي نفخر بها مبنية على أسس متينة وصلبة لا تتزعزع. وإن لم تصدق فأدعوك إلى الاطلاع على بعض التقارير التي تناولت تصريحاتك المغرضة الأخيرة، لا تقرأ التقارير لأنك لن تجد فيها جديدا، بل ألق نظرة على تعاليق القراء وهم في غالبهم من عامة الشعب (هنا وهناك) وستتأكد أنك ارتكبت إثما كبيرا وأن الشعبين على درجة من الوعي والوفاء لقيادتيهما الحكيمة والرشيدة ولا يمكنهما بأي حال من الأحوال أن يتقبلا أي دعوة للتصالح والمحبة، ناهيك عن فتح الحدود وتنمية العلاقات الاقتصادية بين الجانبين. الجزائريون، مثل المغاربة لا يريدون خيرا يأتيهم من عدو لدود وهم مرتاحون تماما للقطيعة الحاصلة بينهم الآن، ولا ينتظرون أحدا يأتي لإزعاج راحتهم. راهم هانيين يا سي ابراهيمي، فرجاء ابحث لك عن مهمة وساطة جديدة غير الجزائر والمغرب إن كان الحنين لا يزال يشدك إلى الأسفار والأضواء.
المقال نشر يوم 18-12-2016