لماذا تخلف العرب عن تهنئة الجزائر بالعودة إلى الحظيرة؟!
صادق البرلمان الجزائري يوم الأربعاء الماضي على التعديل الدستوري (الجزئي والمحدود) الذي اقترحه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ومنذ ذلك اليوم التاريخي والجزائر في حالة ابتهاج وسعادة. التلفزيون الحكومي لم يقصّر في نقل مظاهر الفرحة الجزائرية العارمة، وهو لم يتوقف طيلة الأيام الماضية عن نقل انطباعات وآراء المواطنين والمثقفين والأحزاب والجمعيات المرحبة بالتعديل والمستبشرة بمستقبل واعد في ظل الدستور الجديد والحكم المديد لفخامة الرئيس. والذي يتابع نشرات الأخبار والبرامج الخاصة بالمناسبة يدرك أن البلد على قلب رجل واحد، لا تسمع صوتا واحدا غير راض عن ما جرى، وبما أن علينا أن نفترض حسن الظن في وسائل الإعلام العمومية المسخّرة لخدمة الصالح العام فإننا نقدّر أن التلفزيون الحكومي مل من البحث عن صوت معارض للدستور الجديد فلم يجد، وهو مستمر طبعا في حشد الرأي العام ومشاركته فرحته بالأغاني والأناشيد الوطنية الحماسية التي تذكّرنا بالسنوات التي كانت فيها الجزائر ملحقة بالاتحاد السوفياتي، كما لاحظ أحد المتابعين.
انتظرنا )ولا نزال( أن تكتمل فرحة الجزائريين بدستورهم الجديد، لكن الانتظار طال وهذا أمر يبعث على القلق. لا نفهم صمت زعماء الجمهوريات العربية المحيِّر وتأخرهم في إرسال الموفدين وبرقيات ورسائل التهاني إلى فخامة الرئيس بوتفليقة وشعبه العزيز على التحاقهم بالركب الحضاري وحصولهم على دستور يرفع رئيسهم إلى مصاف الرؤساء العرب الديمقراطيين الذين نذروا أنفسهم وحياتهم لخدمة شعوبهم ما دام فيهم عضو يتحرك! الجزائر حققت بدستورها الجديد قفزة عملاقة نحو مستقبل واعد، لكن الإخوة والأشقاء لا زالوا مترددين في الإسراع بتقديم التهاني على تخلص الجزائر من النواشز وأهمها إلغاء تحديد حكم الرئيس بفترتين متتاليتين. وليطمئن الأشقاء أننا لن نغضب من تهانيهم ولن نقول لهم إنكم تتدخلون في شأن داخلي خاص، لا بل إن ذلك سيُفرحنا وسيشجّعنا على تتويج هذه المسيرة المباركة بمبايعة فخامة الرئيس بيعة دائمة في الانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل القادم.
فخامة الرئيس بوتفليقة لم يعلن رسميا ترشحه رغم أن تسخين الطبول بدأ والدعوات تترى من كل جانب داعية فخامته إلى إعلان ترشحه لخلافة نفسه بعد الانتخابات القادمة. طبعا لا بد لفخامته من فترة تفكير واستشارة قبل أن يقرر إن كان سيواصل المسيرة التي بدأها أم يفسح المجال لغيره، وكل الأمل أن لا يخيب للشعب أمله ولا يعلن انسحابه المبكر من الساحة السياسية، فالجزائر لا تزال في حاجة إليه هو وحده لأنه الوحيد القادر على إخراج البلد من محنته وإرساء القارب على بر الأمان. وهذا طبعا لا يعني أن البلد في محنة، حاشا! بل هو فقط تعبير مجازي حتى يقتنع فخامته أن البلد لا تزال في حاجة ماسة إليه وإلى حكمته وحسن تدبيره.
ولعل من أطرف من قرأنا وسمعنا في غمرة الاحتفاء بالمولود الجديد، تصريح الشيخ أبو جرة سلطاني رئيس حركة مجتمع السلم الإسلامية التوجه (والتنويه هنا للتأكيد على صدق والتزام المتحدث)، قال فيه إن الإصلاحات التي أدخلت على الدستور (تخدم الجزائر والديمقراطية وتسمح للرئيس عبد العزيز بوتفيلقة بإنهاء برنامجه السياسي والاقتصادي الذي بدأه منذ 1999 والمتمثل في إطفاء نار الفتنة وتحقيق النمو الاقتصادي وتحسين صورة الجزائر في الخارج). ورجاء لا تسألوا متى يكمل فخامته تجسيد برنامجه الطموح والواعد، فهو وحده العالم بذلك وتأكدوا أنه سيعود إلى بيته متى أكمل مهمته. ثم إن أرحام الجزائريات مستمرة في الإنتاج وهذا معناه مزيد من الأفواه المفتوحة ومزيد من الباحثين عن مقاعد للدراسة ومناصب الشغل، وبرنامج فخامته هو الوحيد الذي يضمن تحقيق هذه المطالب. بل حتى لو أكمل برنامجه لكان لزاما علينا أن نلح عليه ليستمر في الحكم حتى يسهر على استمرار العمل ببرنامجه ويحميه من أي قادم غريب قد يهدم العمل الجبار الذي تطلب إنجازه سنوات وربما عقودا!
ونبقى دائما مع زعيم هذا الحزب الإسلامي الشيخ سلطاني الذي صرح أيضا أن حزبه سيقرر نهاية هذا الأسبوع، بمناسبة انعقاد مجلسه الشوري إن كان سيزكي فخامة الرئيس بوتفليقة لفترة ثالثة أم سيختار مرشحا آخر، الشيخ سلطاني مثلا. والحق أننا كنا نعتقد أن الأمور محسومة سلفا وأن الحزب الإسلامي سيواصل دعمه لفخامة الرئيس بوتفليقة ويزكيه مثلما زكاه سنة 1999 وسنة 2004، فإذا بهذا التصريح يخلط علينا توقعاتنا وربما توقعات بوتفليقة نفسه. ترى ماذا سيقرر المجلس الشوري في اجتماعه القادم؟ وبما أن القرارات تتخذ بصورة ديمقراطية وحرة ونزيهة (تماما مثل الانتخابات العامة) فلا أحد في إمكانه أن يتوقع إلى أية جهة سترجح كفة الحركة التي لا تزال ترضع من ثدي السلطة منذ تأسيسها، لكن ذلك لم يمنعها يوما من اتخاذ قراراتها الكبرى والمصيرية بكل استقلالية وأمانة. ولولا خوفي من أن أُتّهَم باستباق الأحداث أو محاولة التأثير على القرار السيد لهذا الحزب العظيم لنصحت قيادته الحكيمة بعدم التسرع في اتخاذ قرار اختيار مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية القادمة هذا الأسبوع. فالوقت لا يزال مبكرا، والمناقشات داخل المجلس الشوري يجب أن تكون متأنية ومعمقة وحامية أيضا حتى يكون القرار ترجمة أمينة وصادقة للتوجه العام للحركة التي تعتمد مبادئ الدين الإسلامي الحنيف في نهجها السياسي الظريف.
رئيس حزب آخر يقول إنه قابع في صف المعارضة أصدر قبل أيام تصريحا ظريفا قال فيه إنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية إلا إذا تأكد من حضور مراقبين دوليين يوم الاقتراع. ويتعلق الأمر بالدكتور سعيد سعدي رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية. الدكتور سعدي يشك في نزاهة نظام الحكم الجزائري وهو يخاف إن ترشح لتولي منصب الرئاسة أن تتدخل أشباح النظام لتزوير الانتخاب وترجيح كفة مرشح السلطة، لذلك هو مصرّ على أن يكون المراقبون الدوليون حاضرين بقوة لمنع أية محاولة لتزوير الانتخابات. وهو بطبيعة الحال يتحدث انطلاقا من تجربة البلد في الانتخابات السابقة، حيث كانت وفود الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي ومنظمة الوحدة الإفريقية قبلها وحتى الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني تحضر الانتخابات في الجزائر وكان حضورها يساهم في فرض الاختيار الحر والسيد للشعب الجزائري وكانت نتائج الانتخابات البرلمانية والمحلية والرئاسية أيضا، تأتي دائما معبرة بصدق عن رأي الشعب. الحكومة تؤكد كعادتها أنها ستحترم إرادة الشعب واختياره الحر والسيد، لذلك فإننا نتوقع أن توافق على طلب الدكتور سعدي حضور المراقبين الدوليين بقوة ولن تخاف إن اختاره الشعب رئيسا له مدى الحياة. أما إذا خسر فإنه لن يقول إلا كما يقول المراقبون النزهاء إن الانتخابات كانت حرة وديمقراطية وشفافة والخير في ما اختاره الشعب.
لكم أوباماكم ولنا أوبامانا!
أعلم أن الحديث عن فوز أوباما وإسقاط ذلك على عالمنا العربي صار كلاما تلوكه أقلام وتحليلات المحللين ليل نهار، لكن لا بأس أن نعود إلى موضوع الانتخابات الأمريكية ومفاجأتها الكبرى. لست متأكدا أن هناك من الجزائريين من يريد استبدال رجل مثل أوباما بفخامة الرئيس الحالي والقادم لا محالة. ومع ذلك دعونا نبحث في الجزائر عن رجل تتوفر فيه الشروط الأوبامية. أعلم أن الجزائريين لن يتخلوا عن رئيسهم الحالي، والانتخابات القادمة ستؤكد ذلك لكل مشكك، لكن دعونا فقط نبحث. قد يذهب تفكير البعض إلى رجل معارض نحيل مثل أوباما وصغير السن (مقارنة بالديناصورات التي تحكم الجزائر منذ فجر الاستقلال) وأسمر البشرة ونزيد عليها أنه ذو أصول غير جزائرية، إذا صدقنا ما قيل عنه في السابق إنه من أصول تونسية. هل عرفتموه؟ إنه رجل الجبهة الإسلامية للإنقاذ الثاني علي بن حاج. لكن قبل أن تنطلق الأفواه في التعاليق، أقول إن هذا ليس الرجل الذي أراه في مواصفات أوباما. بل الذي أفكر فيه هو رجل مسن وسنه يفوق عمر فخامة الرئيس بوتفليقة، وهو أبيض البشرة ومن أصول جزائرية عريقة. لكن هذه الأصول هي التي تجعل السواد الأعظم من الجزائريين يقولون إن انتخاب هذا الرجل مستحيل، مثلما كان يعتقد الأمريكيون أن دخول أوباما إلى البيت الأبيض هو من أكبر المستحيلات. الاعتقاد السائد عند الجزائريين أن القبائلي (المنحدر من منطقة القبائل) يستحيل أن يكون يوما رئيسا على الجزائريين، لا أعلم إن كان هذا شعورا عنصريا أم لا، إلا أنه الانطباع السائد. لذا فإن الجزائر إذا قدر لها أن تبحث لها عن (أوباماها) فلعلها تجده في هذا القبائلي المسن ذي الشعر الأشيب، الزعيم التاريخي حسين آيت أحمد. هو أيضا من دعاة التغيير الجذري وقلب الأوضاع في البلد رأسا على عقب، لكن السؤال المحرج، هو هل يمكن للجزائري أن يقبل برئيس قبائلي؟ وقبل اتهامي بالعنصرية، فليسأل كل واحد منا نفسه إن كان هذا الاعتقاد صحيحا أم لا!
المقال نشر يوم 18-11-2008