لن نستسلم يا إسرائيل.. وهتافاتنا ستتفوق على هدير طائراتك!
أبدا لن نستسلم ولن ينال اليأس منا ولو أبادت إسرائيل كل الفلسطينيين مقاومين كانوا أو معتدلين أو حتى متعاونين. فلتستمر إسرائيل في ارتكاب مجازرها ما شاءت ولتتأكد أننا معشر العربان لن نتأثر ولن نتراجع عن مواقفنا. سنبقى متمسكين ومستمرين في إصدار بيانات التنديد والشجب والاستنكار ضد العدوان الإسرائيلي وسنظل متضامنين مع إخواننا في فلسطين، أقلامنا لن تجف وحناجرنا لن تبح ودموعنا ستواصل انهمارها أنهارا ووديانا، لكن الأهم من ذلك أن زعماءنا وقادة أمتنا الأشاوس لن يتنازلوا عن حقهم في عقد قمتهم الطارئة طال الزمن أم قصر. نعم يا قادة الحرب في إسرائيل، العرب سيواصلون إحراجكم وتهديدكم بمواقفهم الثابتة من قضيتهم العادلة. استمروا أنتم في إبادة سكان غزة وإطلاق قنابلكم الفوسفورية وقذائف دباباتكم ولن يزيدنا ذلك إلا ثباتا وعزيمة وإصرارا على إطلاق قنابل التنديد وصواريخ الإدانة ورصاصاتنا الصوتية العابرة للقارات.
طبعا لن نتوقف عند هذا الحد، لأننا ننتظر اللحظة الحاسمة ونحن واثقون أنها آتية لا ريب فيها. فقد وعدنا بها قائد أركان الجامعة العربية، وليس بيننا وبينها إلا أن ينفضّ اجتماع مجلس الأمن الدولي. ونحن ننتظر هذا الاجتماع بفارغ الصبر ونثق في فاعليته أكثر مما نثق في أنفسنا وفي اجتماع قمتنا العربية، لذلك جاء قرار ممثلي قادتنا الأشاوس في القاهرة أن لا يفسدوا على مجلس الأمن خططه في استعادة السلم ووقف الإبادة في غزة، فكان رأيهم أن يؤجلوا البت في عقد القمة الطارئة إلى حين فشل مجلس الأمن، وهو طبعا احتمال ضئيل (الفشل أعني)، لأن كل تجاربنا مع هذه المؤسسة النزيهة والعادلة أثبتت وقوفها إلى جانبنا وضد الظلم في كل أشكاله.
واصلي يا إسرائيل التقتيل والإبادة ونحن سنبقى نترقب عودة طائرة عمرو موسى والأمير سعود الفيصل ليعلنا خيبة أملهم في مجلس الأمن ويطلقا دعوة جديدة لانعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب لدراسة الترتيبات الضرورية لعقد قمة طارئة. نعم، فقد أجمعوا في لقائهم الأخير على أن القمم العربية، مهما كانت طارئة، لا بد أن يسبقها تحضير جيد ولا بد أن تأخذ التحضيرات للدعوة إليها الوقت اللازم. أمير قطر جدد الدعوة إلى عقد هذه القمة الطارئة، وكأنه لم يتكلم ولم يقل شيئا، ذلك أن مواقف العرب ثابتة لا تتغير، فهم حريصون على أن تكون لقاءاتهم فعالة ومؤثرة، ولا يريدون أن يجتمعوا فقط ليقال إنهم اجتمعوا. لا بد أن يحضروا إلى القمة ومعهم دليل قاطع على أن مجلس الأمن الدولي ضيع الفرصة التي منحوها إياه وأن يتأكدوا أن ما تفعله إسرائيل ظلم وجريمة في حق أناس أبرياء عزل، إنهم يجمعون الأدلة وهم جادون في عملهم.
القادة العرب لا يجازفون بسمعتهم ومصداقيتهم أمام شعوبهم وأمام العالم أجمع، سيعدون العدة اللازمة لعقد قمتهم الطارئة، ولا بأس أن تواصل إسرائيل ارتكاب فظائعها لأن ذلك سيمنحهم أدلة دامغة وثابتة بأن هناك جريمة إنسانية تُرتكب في حق أبناء غزة، وكلما سقط عدد أكبر من الشهداء كلما اطمأن زعماء الأمة وحاملو أمانتها إلى أن قمتهم الطارئة ستكلل بالنجاح وأن قرارتهم التاريخية التي ستصدر عنها ستجعل إسرائيل في حرج كبير أمام الرأي العام العالمي. ستكون القمة الطارئة فاضحة والأيام بيننا. ديننا يعلمنا الصبر، ونحن صابرون ومنتظرون عودة طائرة نيويورك المباركة. نحن نأمل أن يحمل لنا موسى والفيصل بشارة من مجلس الأمن بأنه أصدر بيانا يدين فيه إلحاق الأذى بالمدنيين الفلسطينيين خلال عملية الدفاع الشرعية الإسرائيلية ضد مجرمي حماس، لا تهم المصطلحات بقدر ما تهمنا الإدانة الصادرة من مجلس الأمن، فذلك سيكون في حد ذاته فوزا كبيرا ونصرا عظيما يستحق عقد قمة عربية عاجلة، قبل الطارئة، للإشادة بالموقف العادل والرأي السديد لأسياد المجتمع الدولي. وإذا انفض مجلس الأمن بفيتو أميركي، لا قدّر الله، فإن البديل جاهز عندنا وسننتقل مباشرة إلى الخطة (ب) وهي الدعوة إلى اجتماع وزاري لدراسة الجدوى السياسية من عقد قمة طارئة ثم الاتفاق على موعد لهذه القمة الطارئة وأيضا على مكان انعقاد هذه القمة التاريخية، وأهم شيء أن لا يكون هذا المكان مثيراً للحساسية.
في انتظار ذلك، نطمئن إخواننا المجاهدين والمنكوبين في غزة أننا سنبقى مجندين ومعنوياتنا التضامنية مرتفعة، ستبقى أصواتنا تزداد ارتفاعا كلما ازداد عدد الشهداء سقوطا وكلما ارتفع دوي القنابل والصواريخ الإسرائيلية. سنحاول أن تكون صيحاتنا وهتافاتنا أعلى من هدير دبابات وطائرات العدو وسنبذل في الجزائر وتونس ومصر قصارى جهدنا لنخرق قوانين الطوارئ التي تمنعنا من السير في الشوارع والتعبير عن تضامننا الصوتي مع ضحايا غزة. سنواصل إرسال المساعدات الإنسانية إلى مطار العريش ومعبر رفح وكلما أعادها لنا حكام مصر بحجة تعطل كاميرات المراقبة الإسرائيلية سنعيد إرسالها مرة أخرى ولن نيأس، فقط عليكم أنتم يا إخواننا في فلسطين أن تتأكدوا قبل تناول ما فيها من مواد غذائية أن صلاحيتها لم تنته بعد، لأن ذلك قد يضر بصحتكم فتفقدوا القدرة على المقاومة ومواجهة العدو.
تأكدوا أيضا يا أشقاءنا الأعزاء في غزة الجريحة أنكم لا تجوعون وحدكم، فنحن أيضا نجوع معكم وصرنا لا نقدر على الجلوس إلى موائدنا ونحن نتابع صور الدمار والقتل على شاشاتنا، لكن نصارحكم أننا من وقت إلى آخر نضطر إلى التوقف بعض الوقت عن متابعة أخبار إبادتكم والتنقل إلى قنوات الطرب والغناء العربية التي لم تتوقف حتى نفتح شهيتنا للأكل. ونحن طبعا حريصون على عدم البقاء صائمين حتى لا تتدهور صحتنا ونفقد القدرة على الهتاف والسير ساعات طوالا في الشوارع لعل مجلس الأمن يسمع صوتنا فيبلغه إلى قادتنا. تأكدوا أننا نتابع أخبار دماركم، بل صرنا بارعين في عمليات الحساب ودقيقين، حيث أننا نقضي اليوم كله ونحن نحسب عدد قتلاكم وجرحاكم، وكما قال نزار قباني مخاطبا أطفال غزة: نحن أهل الحساب والجمع والطرح.. فخوضوا حروبكم واتركونا.
كما نؤكد لكم يا إخواننا الأعزاء في فلسطين أن حكامنا إن منعونا من السير والتظاهر في الشوارع فإنهم لا يفعلون ذلك نكاية فيكم أو خوفا من إسرائيل وأمريكا، إن قلوبهم معكم وهم متأثرون كثيرا بما يجري عندكم، لكنهم يخافون أن تتحول المسيرات ومظاهرات التأييد والتنديد عن غايتها النبيلة، فتتذكر الجماهير في لحظة طيش أن هناك أنظمة فاسدة تحكمها وتفرض عليها قوانين تمنعها من الخروج إلى الشوارع إلا لتأييدها، فتحدث الكارثة. وقد سمعت من مصدر موثوق أن بلدا ديمقراطيا سمح استثناء لمظاهرة جماهيرية بالخروج بعض الوقت إلى الشوارع ورفع الأعلام الفلسطينية، وكان المتظاهرون من خيرة أبناء تلك الأمة ومن صفوة أجهزتها الأمنية، وحتى لا ينزعج الحاكم ولا يشك لحظة في ولاء تلك القوى الحية للمجتمع فقد رفع المتظاهرون إلى جانب أعلام إسرائيل صور الزعيم المخلد. طبعا أنتم يا إخواننا الأعزاء في فلسطين لا يهمكم أن يكون المتظاهرون من أبناء الشعب أو من صفوة بوليس الدولة، المهم أن الناس خرجوا وأعلنوا دعمهم اللامشروط لكم.
حتى يزول الحرج المصري..
الرئيس المصري ظهر محرجا (أو هكذا بدا لي) وهو يبرر الإبقاء على معبر رفح موصدا أمام الفلسطينيين، وقد أثبت للرأي العام العربي أن المعبر ليس (دار عمي موح) بل هو معبر يخضع لقوانين واتفاقيات ومعاهدات دولية تحكمه أكثر مما تحكم مطار القاهرة الدولي أو أي منفذ حدودي آخر على كامل أرض الكنانة. سيادة الرئيس ذكرنا أن فلسطين لا تزال دولة محتلة وأن دولة إسرائيل المستقلة هي التي تحتل غزة والضفة وأن مصر هي أيضا دولة ذات سيادة ومهما كان تضامنها مع الفلسطينيين فإنها تبقى محترمة للقوانين والمعاهدات الدولية التي تفرض عليها الخضوع لشروط المحتل في ممارسة حقها التضامني مع أشقائها. ومع ذلك فإن العرب لا يريدون أن يقتنعوا بمبررات السيد الرئيس الذي يحترم المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وهم لا يزالون يتظاهرون ويحتجون ضد استمرار غلق معبر رفح. وليت العرب وحدهم الناقمون على نظام الرئيس مبارك، بل حتى الإسرائيليون بدأوا يرفعون أصواتهم ويطالبون المصريين بمنع وصول الصواريخ (العبثية) إلى فصائل المقاومة في غزة. ولأنني أشفق على السيد الرئيس وعلى صحته فإنني أتوجه إليه باقتراح جاد وبناء لعله يساهم به في رفع الحرج عنه أمام الأشقاء والأصدقاء. لماذا لا تتراجع مصر عن اتفاقية كامب ديفيد وتعلن سيناء أو جزءا منها منطقة محتلة خاضعة للاتفاقيات والقوانين الدولية وتترك إسرائيل تتحكم في المنطقة وتحيط بأهل غزة من كل جانب، فتخرج مصر من موضوع الحصار كالشعرة من العجين؟!
المقال نشر يوم 07-01-2009