ماذا وراء صمت الجنرال؟
دخلنا متاهة الحملة الانتخابية ونسينا بسرعة الخرجة المدوية للأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني ضد مدير جهاز المخابرات الفريق محمد مدين توفيق، وقد كان أهم ما جاء في تصريح سعداني أن الجنرال توفيق مسؤول عن هفوات أمنية عديدة كادت تعصف بالجزائر وأن أقل شيء عليه أن يفعله هو أن يغادر منصبه.
لست هنا لأعلق على كلام سعداني، فقد قلت رأيا فيه استحسنه بعض من قرأوه ولم يعجب آخرين، ولكل رأيه وفكرته في الموضوع. أما الآن فأريد أن أشرك القارئ الكريم بعض التساؤلات حول هذه (الزوبعة) لعلي أجد أجوبة لها. وأول سؤال هو ماذا سيكون مصير الجنرال بعد انتخابات 17 أبريل؟ وقد سمعت أن أمره قد قضي والورقة جاهزة وسيكون الإعلان عنها ضمن أولى قرارات العهدة الرابعة، في سيناريو يشبه الذي حصل مع الفريق محمد العماري غداة انتخابات 2004.
التساؤل الثاني يتعلق بموقف الجنرال من الهجوم الذي تعرض له من طرف سعداني، وما تفسير السكوت عليه إلى حد الآن؟ المعروف أن الجنرال توفيق ليس هدفا يسهل النيل منه، والعادة أن الذين يفعلون ذلك إنما يفعلونه من الخارج، بل حتى هؤلاء لم يجرؤوا (أو كثير منهم) على استعمال الخطاب الذي طالعنا به سعداني. فهل معنى هذا أننا كنا مخطئين في الرجل بأن ألبسناه هالة أكبر منه، بينما هو في الحقيقة شخص ضعيف لا يختلف عن باقي الذين يتعرضون للنقد كل يوم في الجزائر؟ أم ربما لدى سعداني إثباتات على أن الجنرال مقصر فعلا في الدفاع عن البلد ويتحمل مسؤولية ثابتة في قضايا مثل اغتيال بوضياف واغتيال رهبان تيبحيرين وهجوم تيڤنتورين، وعندما قال سعداني ما قال، لم يكن أمام “التوفيق” إلا أن يصمت خشية أن يضيق عليه الخناق أكثر؟
ربما حالة الرجل لا تسمح له برد فعل من مستوى ما كان متوقعا منه، ولعل الذين يقولون إنه مريض ولم يعد هو الآخر قادرا على أداء وظائفه كاملة صادقون. بل ربما ما يقال عن إخلاص الرجل وحبه لوطنه وحرصه على استقرار البلد هو الذي أجبره على السكوت على اتهامات الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم والذي يشرف عليه فخامة الرئيس بوتفليقة فخريا (تقريبا مثلما يشرف على تسيير شؤون البلد). ولعل هذا السكوت أمر مؤقت والهجوم المضاد سيبدأ فعليا غداة 17 أبريل، أي بعد أقل من عشرة أيام، ولا أستبعد شخصيا أن يكون الهجوم المضاد على سعداني مصادقا عليه من طرف صاحب الفخامة شخصيا. أم ربما ستكون المفاجأة مع موعد الاقتراع أو عند فرز الأصوات واستيقاظ الجزائريين على خبر تهاوي مشروع العهدة الرابعة.
من التفسيرات التي ترددت بخصوص صمت الجنرال، هو أن اتفاقا حدث بين جناحه وبين عصبة فخامته بحيث اتفق الطرفان مرة أخرى على أن يفرض على الجزائريين خيار العهدة الرابعة ويستمر كل شيء مستقرا في مكانه، وهذا هو الاستقرار المنشود. بل هناك من الذين يدعون وصلا بعالم المخابرات من استبعد حصول أي خلاف بين بوتفليقة وتوفيق حول العهدة الرابعة، وأن الجنرال داعم لفخامته مثلما دعمه في 1999 و2004 و2009 وكل ما يقال عن خلاف في أعلى هرم السلطة حول العهدة الرابعة إنما هو محض تخريف. إذا كان هذا صحيحا، لماذا إذن نطق سعداني بما نطق وهو معروف أنه مستفيد من حصانة الرئيس؟
كثيرون من الذين جلسوا إلى مدير المخابرات واشتكوا له سوء إدارة بوتفليقة لشؤون البلد سمعوا منه كلاما مفاده أن الأمور تحت السيطرة ولا خوف على البلد، وأن هناك أمرا أساسيا في فلسفة رئيس المؤسسة الأمنية يتقدم على أنانية بوتفليقة وتعلقه بالحكم، هو استقرار البلد. فالرجل كان يبدو لمحدثيه حازما في مسألة استقرار مؤسسات البلاد وعدم المغامرة بخيارات مهما كانت مفيدة للمواطن إلا أن فيها ذرة من الشك في أنها قد تقود البلد إلى هزة تعرضه للخطر. أنا شخصيا سمعت من بعض أصحاب القرار الذين جاءوا ببوتفليقة ليحكمنا أو من الذين رضوا به على مضض أن الاتفاق بينهم كان أن يحكم فخامته فترة واحدة وقد كان اسم خليفته جاهزا عندهم وكان اسمه حينها أحمد أويحيى. ولا أدري هل تغير رأيهم بعد ذلك أم أن سطوتهم خفتت أمام حيلة الذي أتوا به بمحض إرادتهم لأنهم اعتقدوا أنه الأصلح لتسيير مرحلة ما بعد إقالة أو استقالة زروال.
يبقى احتمال أخير، وهو ربما أننا كنا مخطئين في أمر عمار سعداني. ربما ورث الرجل النفوذ الذي اشتهر به الجنرال الراحل العربي بلخير فصار يتمتع بتلك القوة الخارقة في اختيار وتعيين الرؤساء وفرضهم على الجزائريين، وزاد على ذلك أن سرق من الجنرال الآخر خالد نزار لسانه وصارت له تلك الجرأة في الكلام. وفي هذه الحالة ليس لنا أن نتوقع لمنصب نائب الرئيس بعد التعديل الدستوري إلا اسما واحدا، لا سلال ولا أويحيى ولا بلخادم، بل عمار سعداني، وربما سنشهد بعد ذلك جزءا من رحلته في حكم البلد لفترات طويلة.
المقال نشر يوم 09-04-2014