مقاطعة الانتخابات في غرداية.. جائزة أم واجبة؟

معروف عن أهل غرداية (في الغالب) أن كلمة موحدة في المواعيد الانتخابية، محلية كانت أم برلمانية أو حتى رئاسية، والعادة درجت أن النتائج في تلك المنطقة من الصحراء الجزائرية لا تحمل مفاجآت. القرار يتخذ من قبل والناخبون يستجيبون (في الغالب دائما) لما يملى عليهم، ويوم الاقتراع لا يكون سوى شكليات.
هذه المرة يبدو أن القرار تأخر والناخبون هناك ما زالوا ينتظرون، لكن هذا التأخر ليس له تأثير على العملية يوم الاقتراع، ذلك أن الانضباط الذي عُرف به أهل المنطقة وقدرتهم على التواصل الفعال يجعلني أؤكد أنه لو قيل لهم 24 ساعة قبل موعد فتح مكاتب الاقتراع إن مجلس الأعيان قرر كذا أو كذا فإن الاستجابة ستكون تلقائية ومن دون ارتباك. هذا ما تربى عليه أهل المنطقة ودأبوا عليه وهذا هو المفروض أن يكون، لكن ربما ليس هذه المرة. لماذا؟ المفروض أن لا يُطرح السؤال، لأن الذي يحدث في منطقة وادي ميزاب منذ أواخر العام الماضي تخطت أصداؤه حدود الولاية والجزائر قاطبة. زلزال شديد من العنف والترويع وانعدام الأمن أحاط بالمنطقة ولا أحد يعلم ما هو آت. رغم كل ذلك حاول المرشحون للانتخابات الرئاسية ومنشطوها أن لا يفوتوا عليهم محطة غرداية، حاولوا تنشيط حملات عادية كما فعلوا في باقي أنحاء الجزائر الأخرى، مع أن الوضع الذي تعيشه المنطقة ليس عاديا أبدا. أرواح تزهق ومواطنون يروعون ويعيشون في حالة خوف مستمر وأملاك خاصة تحرق وتستباح مرة باسم الطائفية ومرة باسم دين الأخوة والتسامح، الدين الذي يجد فيه الكفار والمشركون مأمنا وملجأ بينما يقتّل باسمه المؤمنون به. في الحقيقة، لم أتابع بالتفصيل ما فعله المرشحون في غرداية ولا أعرف إن كانوا جميعا تنقلوا إلى المنطقة أم لا (طبعا أعرف أن فخامته لم يفعل). لذلك أجدني مضطرا لأسأل من هم في قلب الإعصار، ماذا قال لكم المرشحون أو ممثلوهم من غير الكلام الذي قالوه في الأماكن الأخرى؟ عفوا، أعرف أيضا أن مدير حملة صاحب الفخامة قال لكم انتخبوا الملك مقابل عودة الأمن إلى منطقتكم. ثم هل نزل المرشحون إلى الأحياء التي تعيش حالة أشبه بحالة الحرب؟ وهل وقفوا على حجم الأضرار والخسائر المرتكبة هناك؟ وهل زاروا المصابين أو أسر القتلى أو استمعوا إلى شهادات الضحايا ووقفوا عن قرب على ما يجري هناك بدل الاكتفاء بما قد يكونوا قرأوه أو سمعوه هنا وهناك؟ وهل قالوا لكم ماذا يحملون من اقتراحات وحلول لهذه المصائب التي يُفتن بها أهل المنطقة بين عام وآخر؟ بل هل نزلوا إلى المنطقة في بدايات المحنة عندما لم تكن هناك حملة انتخابية أصلا؟ كم مرشحا استنكر ما يجري وخاطب الدولة وأجهزتها لتحمل مسؤولياتها الدستورية ووقف ما يجري من منكر هناك، أم أنهم جميعا وعدوا بالتحرك بعد الانتخابات (إذا انتخبتم عليهم)؟
أتصور أن لا شيء من كل هذا حصل، ومع ذلك يبقى المرشحون طامعين في الحصول على أصواتكم، مع أنهم يعلمون جيدا أنها ليست بتلك الأهمية، والدليل على ذلك هو عدم اهتمامهم بأمركم أصلا، إلا عندما حان موعد الحملة وقد فعلوا ذلك لتبرير مصاريفهم والحصول على التعويضات فقط، لا لشيء آخر.
ما أكتبه قد لا يكون له وزن، وهو رأي شخصي لا يلزمني إلا أنا، وأكتبه من خلال ما أزعم أنني أعرفه عن السياسة في بلدي. العملية السياسية في الجزائر، الآن، لم تعد لها أهمية أصلا. الأسباب كثيرة وقد زاد عليها بوتفليقة بإصراره على فرض نفسه على الشعب رغم عجزه عن أداء وظائف الرئاسة كما يُفترض. نتائج الانتخابات تطبخ بعيدا عن آراء المواطنين ثم يُدعون لتزكيتها، وحتى إن لم يفعلوا فإنها ستُعتمَد ويعترف بها العالم أجمع، فلا تكترثوا. ومهما حاول المتفائلون أن يقولوا إن الأمر هذه المرة مختلف فأنا لا أصدقه، ولنفرض أنه صحيح فإنّ تخلف أهل غرداية عن الموعد هذه المرة لن يكون له شديد الأثر كما قلت من قبل، وأصواتهم لن تصل أبدا إلى حد أن تكون مرجّحة لكفة هذا أو ذاك. قد يرد آخرون أن هناك خوفا من أن ينتقم بوتفليقة منا إذا نحن قاطعنا، وأنا أقول: بماذا يمكن له أن ينتقم منكم؟ وماذا تتوقعون أن يأتيكم من شر أكثر مما هو حاصل الآن؟ هل سيحرمكم من مناصب عليا ولاها لكم خلال 15 سنة من حكمه؟ كم منصبا وما هي؟ وهل سيخرجكم من أرضكم؟ وهل سيسحب الاعتراف الرسمي بلغتكم أو مذهبكم؟ آه!! ليس هناك أي اعتراف؟ هل سيحرم أبناءكم من الدراسة وهل سيقطع عنكم المنح والمساعدات؟ أما إذا أصر المصرون على إخافتكم من عواقب اتخاذ قرار من هذا النوع، فرأيي أن المرشحين جميعا عندما يسمعون مبرراتكم سيعذرونكم وربما سيتعاطفون معكم أكثر مما قد يفعلون إن أنتم سارعتم إلى مكاتب الاقتراع وانتخبتم وكأن شيئا لم يحدث لكم.
حتى إذا كان التخلف عن الانتخاب أو مقاطعته جريمة في حق الوطن أو خيانة للأمانة، فإنكم عندما تقدمون عذركم سيؤخذ بعين الاعتبار .عندما تقولون لهم إننا أردنا التنقل إلى البلدية لسحب بطاقات الناخب فلم نجد الطريق إليها آمنا، وعندما حاولنا بشتى الطرق ووصلنا إليها وجدنا مصالحها معطلة، وعندما عملنا ضجة كبرى من أجل الحصول على بطاقاتنا وبدأنا في التفكير في من نختار وجدنا أن الحملة الانتخابية فاتتنا لأننا لم نكن نتابعها على التلفزيون مرة بسبب انقطاع الكهرباء ومرة لأننا خرجنا نرد تهديدا بدلا من قوات الأمن التي لا نعلم كيف تظهر فجأة وتختفي عندما نحتاج إليها، ومرة ذهبنا نبيت في العراء من قلة الأمان في بيوتنا ومرة لم نجد أثرا لجهاز التلفزيون لأنه إما احترق أو نُهب .عندما تقولون لهم إننا مع كل هذا قررنا أن نذهب يوم الاقتراع للتصويت عجزنا عن الوصول إلى المركز لأن الطريق غير آمن أو لأن المواصلات غير متوفرة، أو لأننا لم نقدر على ترك أولادنا ونسائنا في البيوت وحدهم خوفا من أن يتعرضوا لأذى محقق. وعندما تقولون لهم إننا قررنا عدم التصويت هذه المرة لأننا أحسسنا أن بلدنا ومسؤولينا وأهلنا في كل الجزائر تخلوا عنا وتركونا نعيش ليالي وأياما مرعوبين وأكفنا مرفوعة إلى الله وحده نسأله أن يكفينا شر الفتنة، أو عندما تقولون لهم إن فكرنا الآن مشوش ونخشى إن نحن صوتنا أن نختار شخصا غير مناسب فآثرنا أن لا نصوت هذه المرة أفضل من أن نرتكب خطيئة.
عندما تسردون عليهم هذه المبررات أو كثيرا مثلها، أنا متأكد أنهم إن لم يتضامنوا معكم ويهتزوا لهول ما أنتم تتلونه عليهم، فإنهم على الأقل سيتفهمونكم ولن يفكروا في معاقبتكم، لأنهم أصلا لن يجدوا عقوبة أقسى من المصيبة التي حلت بكم. بل لعل التاريخ سيذكر لكم أنكم قررتم يوما أن تقولوا بالفم الملآن لا للذل لا للهوان. لكن إذا اقتنعتم أن عليكم أداء الواجب وقررتم أن تصوتوا وأنتم على تلك الحال، فإنني أخشى أن يضحكوا عليكم (وعلى نيتكم الطيبة)، هذا إذا لم يحتقروكم، ويرددوا في أنفسهم قائلين ما أجيحهم وما أرذلهم من قوم، أو ربما سيقولون لكم: أنتم نِعمَ الناس وقد أثبتتم أنكم وطنيون ولو كنا مكانكم ما فعلنا مثلكم أبداً.
المقال نشر يوم 10-04-2014