مهمة الجزائريين في الانتخابات.. المشاركة فقط لا غير!
توعّد مسؤول اللجنة السياسية لمراقبة الانتخابات الرئاسية في الجزائر، وهو وزير عدل سابق، بمتابعة كل من يستمر في وصف المرشحين الخمسة المنافسين للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالأرانب. فهم حسبه متساوون ولا أفضلية لأحد على الآخر إلا بعد أن يقول الشعب الجزائري كلمته ويختار بكل حرية وشفافية وديمقراطية من يتولى أمره خلال الفترة المقبلة. ولم يقل هذا المسؤول إن كانت ملاحظته هذه جاءت بناء على شكاوى من المرشحين الخمسة أم من الرئيس المرشح أم من عنده.
الاحتجاج على وصف آدميين بأسماء حيوانات أمر مستهجن طبعا، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بأشخاص يخوضون سباقا ينتهي الفائز فيه بتولي سدة الحكم في البلد؟ طبعا سيكون صعبا على إنسان اسمه ضمن قائمة رسمية للتنافس على منصب رئيس الدولة أن يرى نفسه رئيسا في هيئة أرنب، فهذا من شأنه أن يحط من قيمته أمام عائلته أولا وأمام شعبه لاحقا ولا يُستبعد أن يخرج الشعب ضده رافضا أن يحكمه أرنب أو أن يكون عرضة لبنادق الصيادين عند افتتاح موسم صيد الأرانب. سؤال لن أطرحه على مسؤول لجنة مراقبة الانتخابات الرئاسية في الجزائر، لكنني وددت لو استدعى كل واحد من المرشحين الخمسة المتساوين مع بوتفليقة على مضمار السباق وسألهم هذا السؤال المباشر: هل تعتقد في قرارة نفسك أنك قد تصبح يوما ما، في هذه الانتخابات أو في غيرها، رئيسا للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية؟ إن كان فعلا يشك في أن يكون جوابهم جميعا بالنفي، فأنا متأكد أنه عندما يسمع إجاباتهم سيلتفت إلى مساعديه ويقول لهم: الأرانب يبقى وصفا جميلا ولطيفا، أما أنا فأقترح أن نصفهم بالـ…..، لن نسمع بقية الكلمة لأنه أطلقها همسا خفيفا، لكننا نعرف أنه وصف مش ولا بد بسبب القهقهات التي تعلو القاعة.
ويكفي هنا أن نعيد ما قاله أحد المرشحين الخمسة الموصوفين بالأرانب كرد استباقي على السؤال السالف، فقد قال ذلك في مناسبتين وبعبارتين مختلفتين. اعترف في المرة الأولى أن فرص نجاحه “منعدمة”، ثم قال في المرة الثانية إن نتيجة الاقتراع الرئاسي لا تهمه! هذا كلام موثق وقد نقلته وكالة الأنباء الرسمية عنه حرفيا. السيد محمد السعيد فصل في أمر الرئاسيات، ومثل هذا الشخص عندما يقول مثل هذا الكلام عن منافسة قرر أن يخوضها بطريقة فاجأت الكثير، لا أعتقد أنه يغضب عندما يقرأ تعاليق الصحف تصفه بالأرنب. وعندما يقول إن فرص نجاحه منعدمة فإنه يطرد من ذهنه أي احتمال بأنه قد يصبح هو الرئيس، وهي حالة مستبعدة لكنها ممكنة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المرشح الرئيس يمكن أن يكون خارج السباق عشية يوم الاقتراع أو يوم الاقتراع لسبب قاهر، عندها تكون الفرصة متاحة. لكن السياسي والدبلوماسي العارف مدرك أنه في الجزائر ومثل هذا الاحتمال لن يبقى واردا لأن الساهرين على سلامة وأمن البلد سيخرجون بفتوى لائقة، وهذا ما جعله يؤكد أن الفرصة منعدمة.
وما دامت فرص الفوز منعدمة، فلماذا إذن يصر القوم على خوض السباق بوصفهم مرشحين للانتخابات الرئاسية؟ أعلم أنه سؤال سخيف ولا يجدر طرحه في بلد كالجزائر، رغم أن مسؤول حزب في التحالف الرئاسي قال قبل أيام إن (الجزائر تمثل النموذج الديموقراطي في العالم ونريد لهذا النموذج أن يعيش ويستمر ويعمّر أكثر)، اللهم لا حسد! نعم إنها النموذج الديمقراطي في العالم، ولم يقل في العالم الثالث أو في العالم العربي أو في العالم المتخلف، بل في كل العالم، وإذا أراد الأميركيون أو الأوروبيون أو حتى الإسرائيليون أن يتقدموا ويبدعوا في العمل الديقراطي فما عليهم إلا أن يتصلوا بوزير الدولة أبوجرة سلطاني وعنوانه عند رئاسة الحكومة وسيكون سعيدا بتقديم هذه الخدمة. المرشحون مسجلون لخوض انتخابات رئاسية تنافسية وهم ينشّطون منذ أسبوع تقريبا ما يسمى حملة انتخابية، لكن الذي تابعناه لحد الآن هو أنهم جميعا، بمن فيهم المرشح الرئيس، يجوبون مختلف مناطق البلد، ليس لعرض برامجهم على مواطنيهم وحثهم على التصويت لهم، بل لدعوة المواطنين لعدم التخلف عن صناديق الاقتراع يوم 9 أبريل المقبل. كلهم يركزون على ضرورة أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة مرتفعة، أما على من يصوتون وأي برنامج يختارون فهذا لا يبدو أساسيا لأن أمره محسوم سلفا والجميع يعرف ذلك ولا يجد حرجا فيه.
الرئيس المرشح عبد العزيز بوتفليقة ومعه الخمسة الآخرون يشتركون في جملة واحدة، وكأنها صدرت عن ملقن واحد، مفادها أن المهم في هذه الانتخابات هو أن يتوجه كل الجزائريين إلى صناديق الاقتراع يوم 9 أبريل ولا يهم على من ينتخبون، بل لو أرادوا أن يضعوا ورقة بيضاء في الصندوق فذلك لا يفسد للود قضية، لأن المهم هو أن تلتقط كاميرات التلفزيون صورا لآلاف أو ملايين الجزائريين وهم يتدافعون أمام مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم ولو كانت أوراقا بيضاء، (المهم المشاركة!) كما يقولون عندنا في الجزائر. ومع ذلك يبقى بوتفليقة أهم واحد حريص على أن تكون نسبة المشاركة مرتفعة، فهذه الانتخابات، كما قال في تجمع شعبي، ليست انتخابات بلدية ولا انتخابات برلمانية، بل هي انتخابات رئاسية، ولا بد على الجزائريين أن يولوها أهمية خاصة. إنه يعلم علم اليقين أنه هو الرئيس القادم، وهذا تحصيل حاصل، لكنه لا يريد أن يكون كذلك بنسبة مشاركة ضعيفة كتلك التي انتخب بها البرلمان الحالي والتي لم تتعد 30%. والانتخابات الرئاسية حسب بوتفليقة لا تعني الجزائريين وهو غير مهتم بما يمكن أن يفكر فيه الجزائريون إذا كانت نسبة المشاركة ضعيفة، فقد شهدنا ذلك ولم يصدر عنه أي رد فعل يعيد الأمور إلى نصابها، بل اعتمد البرلمان بنسبة مشاركة مخزية وعُهد إلى نفس البرلمان بمهمة تعديل الدستور الذي فتح لبوتفليقة الباب للترشح مرة ثالثة.
بوتفليقة يفكر في الوجه الذي سيظهر به أمام العالم إذا كانت نتيجة المشاركة في الانتخابات المقبلة ضعيفة، وهو لا يريد أن يجلب له موعد 9 أبريل عقدة جديدة ترافقه طيلة السنوات الخمس الآتية. إنه يريد مشاركة قياسية تسمح له بالتحدث باسم الجزائر بصوت عال جدا، كما يعتقد. ويضيف بعد ذلك قائلا (صوتنا بحّ، ما بقيناش نسمّعوه للأمريكان وغيرهم. زمان كانوا يسمعوننا، الآن بحّ، ما بقاش يوصلهم)، والبحة، كما أضاف، لا تزول بالعسل والليمون، بل بالنسبة المئوية والمشاركة. وعلى نفس الوتر يضيف سلطاني أن المشاركة القوية في الانتخابات من شأنها أن تفرز رئيسا قويا، وستمكنه من اتخاذ قرارات قوية. ولا ندري هل هي قرارات داخلية تهم الجزائريين أم قرارات دولية يتحدى بها مثلا الأميركيين وغيرهم، كما يقول فخامته.
الرئيس والمصطفون وراءه يرون أن قوة الرئيس تكمن في المشاركة القوية، وهم يحشدون الجماهير مذ أشهر طويلة لتحقيق هذا الهدف، وقد توقع سلطاني قبل يومين أن تكون نسبة المشاركة 70% على أن يفوز بوتفليقة بـ80% من الأصوات، وهي نسبة متفائلة مقارنة بزملائه الذين توقعوا أن تصل نسبة المشاركة إلى 60%. المهم بالنسبة لهؤلاء هي نسبة المشاركة وكيف سيظهرون أمام العالم الخارجي، أما الطريقة التي ينظمون بها الانتخابات ورأي شعبهم فيهم فهذا خارج دائرة اهتماماتهم. كل ما هو مطلوب من الشعب أن يخرج ولا يترك الشوارع خاوية يوم الاقتراع، أما على من ينتخب أو كيف ينتخب فهذا أمر ثانوي. بل حتى مطالبه وانشغالاته لم تعد في محور الاهتمام. لأن الانتخابات موجهة لتحسين صورة الرئيس في الخارج وتمكينه من رفع صوته على الأميركيين وغيرهم. كل ما يريده النظام في الجزائر الآن هو أن تكون نسبة المشاركة قوية وأن يلاحظ ذلك المراقبون الدوليون، أما هموم ومشاكل الجزائريين وآمالهم في مستقبل أرحم وأوسع وأفضل فهي مرجأة إلى حين.
***
نصحني أحد القراء في تعليق على مقال سابق لي عن ملحمة الرئيس عمر البشير بالاهتمام بشأن بلدي وعدم الخوض في الموضوع السوداني، وقد حاولت أن ألتزم بالنصيحة لولا أنني أجد نفسي في حالة ضعف فكرت فيها أنني مواطن سوداني عليّ أن أدلي بدلوي في ما أتابع من أخبار عن المعركة التي يخوضها اللواء البشير ضد العالم الاستكباري بجزمته ولسانه وعصاه أيضا. وقد أعجبت كثيرا بفتوى هيئة العلماء التي حرمت على الرئيس البشير السفر للمشاركة في القمة العربية المقبلة، لكنني حزنت كثيرا لما استقل طائرته إلى إريتريا وعاد منتصرا لأنه تحدى أوكامبو والعالم أجمع، لم أحزن لأنه رفع التحدي ضد أوكامبو العميل، بل لأنه تحدى هيئة بلده الشرعية التي أفتت بضرورة بقائه في البلد ليغيظ الكفار. لذلك فإنني من واجبي كمواطن يشعر في حالة ضعف أنه سوداني أقترح على إخواني السوادنيين المعتصمين في حديقة عمومية حتى يعلن فخامة الرئيس عن قراره بحبس نفسه داخل السودان أن يخرج الجميع مع إخوانهم الآخرين في خطوة عملية تدعم فتوى العلماء الأجلاء، أن يخرجوا في مسيرة شعبية إلى مطار الخرطوم وأن يقطعوا الطريق على الطائرة الرئاسية حتى لا تقلع في رحلة تحدّ أخرى، وإذا أصر فخامته على مواصلة التحدي فعلى إخواني أن يصعدوا الموقف بأن يحرقوا الطائرة الرئاسية انتصارا للفتوى الشرعية في الجمهورية الإسلامية.
أما إذا أصر فخامته على السفر، فلا بأس أن يكون ذلك عن طريق البر، فهو أسلم له، خاصة أنه سيجد على طول الطريق الجماهير العربية مصطفة تدعو له بالنصر المبين، وإذا أصرت الهيئة وأصر فخامته فأقترح أن يكون السفر عبر نفق يقام خصيصا لذلك، وربنا يستر!
المقال نشر يوم: 25-03-2009