موفد الشعب إلى بوتفليقة

لخضر إبراهيمي مستاء من “بعض الصحف” التي كتبت أشياء لم تعجبه ويقول هو إنها افترت عليه “بسوء نية واضحة” وذهبت إلى حد ما وصفه بأنه “تحريض على الجريمة” عندما تحدثت عن لقاءات “لم تحدث مطلقا ولم تكن مبرمجة (…) من الأساس”، وأعتقد أنه يقصد بذلك لقاءه المفترض مع بعض الشباب في فندق الأوراسي.
لم يتراجع لخضر إبراهيمي، في التصريح المكتوب الذي بثته وكالة الأنباء الجزائرية الاثنين الماضي، عن خطته “الهجومية” التي اختارها خلال تصريحاته الإعلامية الأخيرة. فالرجل مصرّ على أن له كامل الحق في الخوض في الشأن المحلي الجزائري، وذلك من منطلق انتمائه إلى هذا الوطن. وأعرب إبراهيمي عن قلقه من أن يتحول الحديث بين مواطنين إلى مواضيع للقيل والقال والقذف، محذرا في نفس الوقت جموع المتظاهرين ضد النظام الحاكم من مغبة “الاستمرار في إدارة الظهر”، أي عدم الاستجابة لدعوات السلطة من أجل “حوار مهيكل”، وظني أنه يقصد بذلك “الندوة الوطنية الجامعة” التي ما فتئت الرسائل البوتفليقية تتغنى بها وتكررها على الجزائريين مثل كابوس مزعج.
في الحقيقة كنت “أنتوي” منذ أيام التطرق إلى ما قاله لخضر إبراهيمي في برنامج حواري على قناة “الجزائرية وان”، حيث أكد على حقه في التعبير بصفته شخصيا غير منتم إلى الحراك الشعبي الذي تعج به الجزائر منذ شهر. خلال تدخله ذكّر إبراهيمي (لمن لا يعرف أو نسي) أنه دبلوماسي، ولمن لا يعرف خصائص الدبلوماسيين قال إن “الدبلوماسي الصالح الناجح لا يكذب، ربما قد لا يقول كل الحقيقة التي يعرفها، لكن الكذب لا”!
لست دبلوماسيا، لكني لا أكذبكم إذا قلت إن هذه المعلومة المهمة التي نطق بها إبراهيمي تركتني حائرا ولا أدري إن كنت سأصدق أن الذي قال هذا الكلام هو حقا دبلوماسي، وإن كان كذلك فهل هو دبلوماسي ناجح وصالح أم فاشل وفاسد إذا ثبت أنه كاذب. تمنيت لحظة سماعي تلك التصريحات أن يسأله أحد الصحفيين الحاضرين إن كان سيقبل أن يُعرض على جهاز كشف الكذب ليتأكد الجزائريون أن خصومه يفترون عليه حقا وبأنه، عكس ما يقولون، هو دبلوماسي ناجح وصادق قولا وفعلا. لن أقترح إلا سؤالا واحدا هذا نصه: “هل كنت صادقا عندما قلت إن بوتفليقة (استرجع قواه الذهنية مائة بالمائة وليس تسعين بالمائة)، وماذا تقصد بكلمة استرجع، هل كان في وقت سابق فاقدا لهذه القوى”؟ بعدئذ على كل واحد أن يحكم إن كان هذا الرجل دبلوماسيا صالحا أم لا.
أكرر أنني لست دبلوماسيا، ولهذا فسأسمح لنفسي بمناقشة ما قاله إبراهيمي عن الكذب والحقيقة، وأقول إن الحقيقة كل متكامل، إما أن تقال كاملة فيكون قائلها صادقا أو أن تخفى كلها أو جزء منها وحينها يكون الفاعل مفتريا وغشاشا. لن يكون بمقدور الشعب أن يجادل في مدى سلامة القوى الذهنية لبوتفليقة، لكن بإمكان الأعمى أن يرى أن يديه (ما راهمش لا باس عليهم) أبدا وإلا لكنا رأيناه يحركهما بطريقة (لا باس عليها).
كلمة أخير للدبلوماسي المصر على أن يكون له دور في ما يجري حاليا من حراك في الجزائر. أنا شخصيا لن أحرمك من هذا الدور، وإذا لم يكن لديك مانع فسأكلفك بمهمة يمكن أن تكتب لك في ميزان النجاح. فانطلاقا من “ذلك الاعتبار الوحيد” الذي قلت في تصريحك المكتوب إنه يحركك دائما، ألا وهو “تقديم مساهمة مهما كانت بسيطة إلى جانب القوى التي تعمل من أجل مصلحة بلادي”، فإنني أدعوك بدل البحث عن فتح حوار مع أهل الحراك من أجل القبول بالجلوس إلى طاولة الحوار مع السلطة أن تعود إلى حيث يوجد بوتفليقة وتجلس معه مطولا وتفهمه أو تقنعه بما آتاك الله من حيلة أن يستجيب لما يردده له ملايين المتظاهرين منذ ثلاثين يوما. أقنعه أن يرحل وطمئنه إلى أن الجزائر لن تندثر برحيله. وإذا نجحت في هذه المهمة فلك أن تعود أنت أيضا من حيث أتيت مطمئن البال مرتاحا لأدائك أعظم مهمة يحتاجها منك الجزائريون الآن.
المقال نشر يوم 20-03-2019