مقالات

نذير الشؤم

أول سؤال تبادر إلى ذهني وأنا أتصفح مواقع وسائل الإعلام التي حضرت المؤتمر الصحفي للرئيس عبد المجيد تبون هو لماذا أجبر القائمون على تنظيم هذا اللقاء أنفسهم على استدعاء مجموعة من الإعلاميين وإحضار كل تلك الكراسي وتشويه ديكور مكتب الرئيس؟ ألم يكن حريا توجيه الدعوة لصحفي واحد؟ ولا يهم إن كان من هذه الوسيلة أو تلك فحالهم مثل حال سحابة هارون الرشيد. بل ما الذي منع داهية الإعلام في الرئاسة من الاكتفاء، هو أو أحد النازلين الجدد في القصر، بتلقي الأسئلة من أولئك الإعلاميين أو تحريرها هناك ما دامت معرضة للرقابة والتشاور المسبق كما حدث، ومن ثم قراءتها على الرئيس ليرد عليها واحدة تلو الأخرى ويأخذ كل راحته في الكلام وبعدها يتولى الداهية مهمة التقديم والتأخير والإدغام والقلقلة قبل أن يرسلها للتلفزيون الرسمي وفروعه الأخرى؟

لست أفهم لماذا رضي الإعلاميون المدعوون إلى تلك اللمة لأنفسهم بتلك البهدلة، وأستثني هنا واحدا لأنه كان جاهزا ومصرا على إهانة نفسه مع سبق الإصرار. لماذا قبل هؤلاء الإعلاميون طرح أسئلة متفق عليها مسبقا وتنازلوا طوعا عن طرح أسئلة أخرى وقبروا كبرياءهم بأيديهم عندما التزموا بما أملاه عليهم الداهية؟ ما هذه الصحافة التي تفرض على نفسها صياما عن ممارسة وظيفتها الحيوية وتنتظر ساعات وساعات دون إبلاغ قرائها بما جرى في قصر الرئاسة طمعا في الفوز بسبق إعلامي، إلا لأن الداهية أمرهم بانتظار ساعة البث الموحدة وما يأتيهم مكتوبا بعد ذلك؟

هل كان الرئيس يحدثهم مثلا عن خطة لشن حرب عالمية، أو عن اكتشاف القنبلة “الاستروتكتفونية” فكان القرار الاستراتيجي أن لا يكشف هؤلاء الإعلاميون عن أي شيء من ذلك إلا في وقت واحد وبأسلوب موحد؟ يراودني إحساس، وأنا أبحث عن أعذار لهؤلاء الإعلاميين، أنهم كانوا ممنوعين من مغادرة قصر المرادية ولم يسترجعوا هواتفهم إلا بعد أن بدأ البث الموحد، وربما كانوا طيلة وقت احتجازهم يتعلمون من ضباط نادي الرئاسة كيف تدار النوادي وكيف تصنع السندويتشات. وإلا كيف نفسر أنه في عصر الجنون الإلكتروني يقبل إعلاميون أن يقال لهم لا تكتبوا شيئا ولا تكشفوا عن محتوى لقائكم بالرئيس إلا عندما يؤذن لكم بذلك، فيلتزم هؤلاء بذلك التزاما غريبا عجيبا؟ بل حتى بعد أن أطلق سراحهم وزالت عنهم الرجفة فضلوا أن لا يكتبوا شيئا عما حدث وأن لا يخرجوا عن النص المرسل إليهم إلا بمقدار.

المفروض أن يفهم الإعلاميون الذين قابلوا الرئيس تبون أن الطريقة التي أخرجت بها وقائع المؤتمر الصحفي ليست مهنية ولا احترافية البتة، بل إنها كانت مليئة بالإهانة والاستخفاف. ومع ذلك فقد خرج منهم من هلل لما حدث واعتبر ذلك نقلة نوعية لم تحدث من قبل في تاريخ الجزائر، أو عهدا جديد انفتح في فضاء العلاقة بين الإعلام ونظام الحكم. أما أنا فأقول إن ما فعله بوتفليقة من إذلال واستعلاء على الصحافة الجزائرية أرحم من هذا الذي رأيناه أمس. شخصيا أفضل أن لا يلتقي بي الرئيس ولا يلقي لي بالا ويتركني أكتب ما أريد على أن يستقبلني ويناديني باسمي ويطعمني سندويتشا وفي نفس الوقت يلجمني ويمنعني من ممارسة وظيفتي التي من أجلها أسمى صحفيا ثم أرضخ لذلك وأقول إن الرئيس منح الصحفيين حرية مطلقة للعمل، وكأن الحرية صرة في خزائن الرئيس يهبها متى يشاء وينزعها عندما يريد. أين هي هذه الحرية التي أجد فيها نفسي مجبرا، في أول اختبار، على الرضوخ لتعليمات موظف في الرئاسة يملي علي ما أكتبه عن لقائي بالرئيس ويحدد لي توقيت الكلام، بل ويقصقص جزءا من سؤال طرحته ولا أحتج على ذلك؟

إن ما حدث في المؤتمر الصحفي للرئيس إنما هو نذير شؤم لمن أراد أن يقرأ الأحداث بعين مجردة. ونصيحتي للكوكبة الإعلامية القادمة أن تفكر ألف مرة قبل أن تلبي دعوة الرئاسة في الجولة التنويرية المقبلة. وهنا أستغل مقترح الرئيس بتعزيز نقابة الصحفيين وإنشاء نواد لهم أن يسارعوا إلى ذلك، لكن بدل أن يسقطوا في لعبة السندويتشات أشير عليهم أن يتفقوا على أن يقبل الرئيس بقواعد لعبة محترمة مع الصحافة في الجولة المقبلة، بأن يكون المؤتمر الصحفي منقولا على المباشر وأن تختار النقابة (بالقرعة أو وفق آليات محددة سلفا) من يمثلها من دون شروط ولا قيود ولا تشاور مسبق حول الأسئلة المقبولة والمحظورة. بهذا فقط نتأكد أن الرئيس جاد عندما يتحدث عن منح الإعلام حرية مطلقة.

لن أعلق هنا على الأسئلة التي سمعناها، لكنني ألاحظ من موقعي كخائض في عالم الإعلام والصحافة أن هناك مجموعة من الأسئلة التي ينتظر الرأي العام من الرئيس أن ينوره بأجوبة عنها ولعلها أهم من أن نسأله عن أمور كررها في الحملة الانتخابية وفي خطاب العرش وستظهر لا محالة في برنامج الحكومة. الجزائريون أو لنقل جزءا هاما منهم يريد مثلا أن يعرف رأيه في استمرار خروج أطياف هامة من الجزائريين إلى الشوارع كل ثلاثاء وجمعة رافعين شعارات ومطالب حيوية بالنسبة إليهم. كنت أتمنى لو أن أحد الإعلاميين الحاضرين سأل الرئيس واحدا من هذه الأسئلة الثلاث أو كلها: 1) ما هي رسالتك للجزائريين الذي رفضوا الانتخابات الرئاسية الأخيرة ونتائجها؟ 2) متى ستزور منطقة القبائل وماذا ستحمل لأهلها؟ 3) لماذا اخترت لتشكيل الطاقم الحكومي أشخاصا محسوبين أو كانوا خدما في عهد عصابة بوتفليقة؟ وأضيف سؤالا آخر مطروحا في الضفة المقابلة للحراك: لماذا تخليت عن حلفائك من النوفمبريين الباديسيين وعينت وزراء من خصومك وخصوم الشعب؟

الانتخابات جرت شاء من شاء وأبى من أبى ومرشح السلطة الفعلية فاز كما كان متوقعا، لكن هناك واقعا وأحداثا على علاقة مباشرة بحراك 22 فبراير لا تزال تفرض نفسها على الأجندة. تلكم هي رهانات الرئيس لبناء جزائر جديدة وليست البطاطا وسندويتشات نادي الصحفيين.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى