نصيحتي إلى بن فليس
لن أقول كلاما فيه ذرة تشفٍّ لعلي بن فليس ولا للذين وقفوا معه واعتقدوا يوما أن بإمكان الرجل أن يكون يوما رئيسا للجمهورية. أولا لأن التشفي ليس من عاداتي، وأيضا لأنني أعرف كثيرا من الأصدقاء وقفوا مع الرجل وساندوه وصوتوا له وكانوا فعلا يتوقعون أن الدفة سترجح إليه وأن 2014 ليست 2004.
لم أكن مع الذين اعتقدوا أن بن فليس كان أرنبا، صغيرا كان أم كبيرا، كما لم أصدق الذين حاولوا القول قبل إعلانات الترشح أن الرئيس سيكون بن فليس وأن النظام يريد تقديمه بطريقة مختلفة حتى يحقق بعضا من الشعبية.
علي بن فليس كان في الواقع واهما ووهمه هو الذين جعلني، في لقاء خاص معه قبل أشهر من انتخابات 2004، أكلم صديقا مشتركا لأقول له (لا أعتقد أن صاحبك بإمكانه أن يكون رقما صعبا في المعادلة). في 2004 كان الفريق محمد العماري أبرز من وقف معه من رجال النظام، لكن تخلي الجنرال توفيق عن صاحبه وقراره دعم بوتفليقة لعهدة ثانية رجحت الكفة بشكل واضح. في 2014، ربما كان بن فليس يلتقي كثيرا من رجال النظام أو العسكريين يعربون له عن تأييدهم له، لكن ربما فاته أن معظمهم أو ربما كلهم صاروا خارج دائرة النفوذ، ومعروف أن رجال النظام عندنا مهما كانوا أقوياء فإن تأثيرهم على دائرة صنع القرار يكون قريبا أو مساويا للصفر بمجرد أن يخرجوا من حلقة الحكم الضيقة، ولنا في الجنرال خالد نزار أحسن مثال، وبعده الجنرال العربي بلخير الذي أفل نجمه بمجرد أن قبل (مكرها) بمنصب سفير الجزائر في المملكة المغربية.
قد يتساءل أحدكم، وماذا يجعل رجالا أقوياء أمثال بلخير ونزار وبتشين يفقدون بريقهم ونفوذهم بهذا المستوى؟ قد تكون هناك أسباب متعددة، لكن الذي أراه هو أن النظام الجزائري دأب منذ عهد ثورة التحرير على جعل سلطة اتخاذ القرار محصورة بين الموجودين داخل الحلقة الرئيسية، إضافة إلى السياسة المنتهجة في إسكات الأصوات الغاضبة أو المعارضة من خلال تمكينهم من منافع مادية كبيرة (الجزائر فيها خير كثير)، وعندما ينفتح الفم للأكل لا بد للعين أن تستحي، والفم أصلا عندما يكون منشغلا بالأكل فإنه لا يمكن أن ينطق.
لا أدري هل يأتي يوم يتفق فيه جميع الذين يقولون إنهم يرفضون بقاء النظام على كلمة وقرار واحد. وقد أثبتت انتخابات أمس الخميس أن النظام لا يزال صلب العود. يمكنكم أن تلاحظوا كيف أنه ينجح في كل مرة في شق صفوف المعارضة أو ما يطلق عليها المعارضة، ويجعلها تتناوب في اتخاذ القرار بين مشارك ومقاطع عند كل موعد. لا يمكن لهذه الأحزاب أبدا أن تقف على قلب رجل واحد إما مشاركة أو مقاطعة. وهذا من أهم أسباب بقاء النظام بعيدا عن أي تهديد. والكثير قد لا يفهم كيف لهذه أو ذاك من (المعارضين للنظام) أن يصر على أن الانتخابات هذه المرة فيها إمكانية أن تكون نزيهة لدرجة إقراره المشاركة فيها، وبعد الانتخابات مباشرة يخرج للملأ قائلا إن التزوير كان سمتها الرئيسية. طبعا هذا الفخ يسقط فيه السذج والواهمون والطماعون والذين يصدقون أن الخير قد يأتي يوما من إبليس.
شخصيا كنت أرى في خرجات مولود حمروش المتتالية عشية انطلاق الحملة الانتخابية رسالة قوية كان بإمكان بن فليس أن يتلقفها مثلما فعل أحمد بن بيتور، لولا أن سذاجته السياسية ونصائح المقربين منه أعمته عن رؤية ما كان يجب أن يراه وقتها وليس اليوم. حمروش قال للجزائريين إن كل شيء لا يزال بين أيدي العصبة الحاكمة والتغيير لا يمكن أن يحدث إذا لم يحصل إجماع على ذلك بين أقطاب الدائرة الحاكمة وسمى الرئيس بوتفليقة ورئيس المخابرات وقائد الأركان. حمروش يعرف أن الشعب لا يمكنه أن يفعل شيئا ولا النخبة ولا الجنرالات المتقاعدون ولا حتى الذين أوهموا بن فليس أنهم معه وأن بإمكانه أن يحقق المعجزة.
بن فليس صرح أنه سيعود إلى دعاة المقاطعة وينسق معهم وسيبقى مع الشعب في المستقبل، لا أدري مدى حرصه على تنفيذ وعده، لكن لو أراد نصيحة صريحة مني فسأقول له، حان الوقت لتعود إلى بيتك وتعلن اعتزالك السياسة وأن لا تفكر أبدا أبدا أبدا في الترشح لمنصب الرئاسة مرة أخرى. لا أقول هذا لأنني أكره الرجل أو أعارضه في شيء، فهذا ليس من اهتماماتي. بل أقولها من باب شعوري بالاهتمام بالمترشح المنهزم من خلال أصدقاء كثيرين أحترمهم كانوا معه وآمنوا به يوما. أعتقد أن بن فليس لم يخلق لممارسة السياسة الكبرى ولا لتولي المناصب العليا والوقت لم يعد الآن لصالحه لكي يتعلم ذلك مستقبلا. فقد ضيع فرصة التعلم وحك المبرد خلال سنوات سباته الشتوي طيلة السنوات العشر الماضية. حينها كان عليه أن لا يختبئ (ولا تصدقوه عندما يقول لكم إنه كان طيلة تلك الفترة قريبا من الشعب وممارسا للسياسة)، وكان يفترض فيه أن يستغل هزيمته النكراء في 2004 ليحولها إلى محفز للنجاح ومحاولة قلب الموازين لصالحه بطريقة أو بأخرى. أما وأنه فضل التلاشي ثم الظهور وقد اعتلاه الشيب محاولا أن يقنع الناس أنه هو المهدي المخلّص المنتظر، فهذه مغالطة كبرى.
أما بالنسبة لباقي الجزائريين الذين يعتقدون فعلا أن زوال النظام صار أمرا محتوما، فإن أمامهم طريقين لا ثالث لهما، أن يقتنعوا أن هناك طريقا آخر جادا يمكنهم أن يسلكوه لتغيير النظام غير طريق الفوضى الذي يخيفون الناس به، أو أن ينتظروا من النظام القائم أن يقرر يوما الانتحار وتقديم نفسه قربانا للديمقراطية والحرية التي لا تزال حلما يراود كثيرا من الجزائريين منذ 52 عاما.
المقال نشر يوم 18-04-2014