“وجوه البخس”
مع الاحتفاظ بحقوق التأليف، فإنني أجد أن العبارة المتداولة من التراث (الشيطان بال عليه في وجهو) أحسن ما يمكن أن ننفس به عن غيظ لا يزال قيد الاستفزاز يوما بعد يوم.
وزير داخلية الرئيس المخلوع نشر اليوم بيانا “يبشر” فيه الجزائريين الراغبين في تأسيس أحزاب سياسية أن هذا الفعل البغيض صار اليوم متاحا في كامل أيام الأسبوع، نعم في كامل أيام الأسبوع أي في يوم الجمعة أيضا! هكذا بكل بساطة، صار الجزائريون قادرين على تأسيس أحزاب سياسية جديدة، مع وعد بأن يلاقوا كل الترحيب والمساعدة من طرف الإدارة المعنية. لو كان على رأس الوزارة وزير جاءوا به من قرية نائية لم تصلها الكهرباء ولا الإنترنت بعد لقلنا ربما كان هذا الوافد الجديد يعيش في عالم النوايا الحسنة، لكن أن نسمع ذلك من شخص كان أمينا عام لوزارة الداخلية طيلة سنوات خلت فليس لنا إلا أن نسأل إبليس أن يخفف قليلا من العبث بوجوه القصدير.
الأدهى من ذلك أن البيان (التحفيزي) جاء بعنوان من أروع ما أنجبته عبقرية المفلسين. بالبنط العريض كتبوا: “تسهيلات لإنشاء الأحزاب السياسية والجمعيات”، وكأنهم لم يكتفوا بأحزاب البخس الموجودة ليضيفوا إليها منافسين آخرين أشد إفلاسا من المهرجين المعينين أخيرا على رأس وزارات تنتسب إلى حكومة الشعب الجزائري. تصرفات لا يمكن إلا أن يتعرض مرتكبوها إلى أقصى أنواع الحجر الصحي لو كان في البلد قضاء مستقل فعلا.
ماذا يريد أن يقول هؤلاء للجزائريين؟ إنهم استمعوا هم أيضا لآهات الشعب؟ أم أن “القوى غير الدستورية” هي التي كانت وراء مطاردة الأحرار وحرمانهم من ممارسة أبسط حقوقهم المدنية والسياسية؟ وهنا أنصح الشباب الجزائري الطاهر أن يضع حدا للترويج الذي بدأت تلقاه عبارة “القوى غير الدستورية”، لأنها توصيف أطلقه شخص ترعرع داخل النظام المتسلط وردده بعده آخرون منهم من كان له شرف افتتاح الفصل الأول من تراجيديا الحكم البوتفليقي. أنا شخصيا لا أؤمن أن هناك قوى غير دستورية كانت تحكم الجزائر، بل هناك رئيس مارس كل أنواع المهانة ضد الجزائريين بمشاركة جهات وأشخاص كانت لهم جميعا صفات دستورية.
محاولةٌ مثل هذه الصادرة عن تركة المخلوع لا يمكن إلا أن تصنف ضمن إطار محاولة إفساد أخلاق الجزائريين وزرع بذور فناء الجزائر الجديدة. لهذا لا بد من الوقوف بحزم أمام هذه التحركات الشيطانية قبل أن تتفشى في كامل الوزارات فنسمع غدا وزير الاتصال يطلق من جهته حملة “تسهيلات لإنشاء القنوات التلفزيونية والإذاعية والصحف الخاصة”، وبعده وزير العمل في مسيرة جديدة لتسهيل إنشاء النقابات ليدخل الجزائريون من حيث لا يدرون مرحلة الجمهورية الجديدة التافهة، وتكون النتيجة أن يخرج علينا من يترحم على أيام المخلوع وتنطلق الحشود في رحلة مناشدة بوتفليقة للعودة لإنقاذ الجزائر مثلما حصل قبل أيام مع اليمين زروال.
وإذا كنت مصرا يا وزير داخلية المخلوع على أن ما تفعله فيه خير للجزائر وهو من صلب المرحلة الجديدة والاستجابة لمطالب الشعب الجزائري، فإنني أتطوع الآن لأقول لك إن ما يريده الشعب الآن هو أن لا تفعل شيئا، استمر في الاستمتاع براتبك بقيمته المضافة وانتظر وقت ترحيلك. ما يحتاجه الجزائريون الشباب الآن هو أن تتاح لهم الفرصة في أقرب الآجال للشروع في بناء بلدهم بالطريقة التي يرونها مناسبة لهم، ولكي نساعدهم على ذلك فإن أول خطوة يجب أن تعلن عنها الحكومة الجديدة (القادمة) هي حل جميع الأحزاب الموجودة (بلا استثناء) وفسح المجال أمام الجزائريين لبدء منافسة سياسية جديدة وفق أرضية دستورية وقانونية حقيقية وفي ظروف متساوية أمام الجميع. وكذلك الأمر بالنسبة للتلفزيونات وغيرها من أدوات العمل الديمقراطي.
المقال نشر يوم 04-04-2019