ارشيف القدس العربي

حكام الجزائر اختاروا لشعبهم الحكم المديد لبوتفليقة

هل لنا أن نبارك للجزائريين الاتفاق في هرم السلطة على التمديد لفخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ليبقى في الحكم حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا؟ هل نقول للجزائر، مرة أخرى، هنيئا لك فوزا دون مفاجآت لصاحب الفخامة وتمنياتنا لك بدوام استقرار نظام الحكم الراسخ؟

بإعلان رئيس الحكومة والأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى دعمه لبوتفليقة رئيسا أبديا للجزائر وتأكيده أن موعد تعديل الدستور قريب، تكون القطعة ما قبل الأخيرة من مسرحية الانتخابات الرئاسية في الجزائر قد اكتملت ولن يبقى الآن إلا إعلان العريس قراره التقدم للارتباط مجددا بشعبه المجيد نزولا عند رغبة الراغبين. البداية كانت قبل نحو سنتين عندما أعلن رئيس الحكومة وقتها والأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم قرار حزبه تقديم اقتراح بتعديل الدستور وأساسا المادة 74 التي تحدد مدة بقاء الرئيس في الحكم بعشر سنوات أي لفترتين متتاليتين حتى يُسمح لفخامة الرئيس بمواصلة تجسيد المشروع الكبير الذي بدأه والذي يستحيل أن ينتهي في غضون عشر سنوات ولا حتى في خمسين سنة بل حتى بعد فناء الشعب وزوال كل أثر لهذا البلد. تزول الأجيال ولا يزول نظام الحكم الساهر والضامن الوحيد لسيادة جزائر الحرية والاستقلال والديمقراطية. وكما كنت أردد دائما فإن بوتفليقة انتظر مكرها عشرين سنة خارج دوائر الحكم ومن غير المعقول أن يتخلى عن “حقه” بعد خمس أو عشر سنوات، فهو كان يرى أنه الأحق بخلافة بومدين وعندما جاءته الفرصة على طبق من ذهب لا بد عليه أن يبقى على كرسي الخلافة حتى يجعل الجميع يندم على السنوات التي تخلوا فيها عنه ورضوا بغيره رئيسا، ولنسم ذلك حبا أو انتقاما لا يهم.

وقد رافقت دعوات وحملات جبهة التحرير الوطني من أجل تكريس فخامة الرئيس حاكما أبديا بيانات الأحزاب والتنظيمات الملتصقة أفواهها بذنب السلطة المؤكدة على أن لا مستقبل للجزائر من دون مبايعة صاحب الفخامة رئيسا مدى الحياة. فهو يقود الجزائر إلى جنة النعيم ولا بد أن يبقى مديرا لدفة الحكم حتى تدخلها بسلام. وبما أن عملية التمديد تحتاج إلى تزكية خارجية، فقد نشطت الآلة الدبلوماسية لا لتلميع صورة الجزائر ووضعها في مكانها اللائق بها وبشعبها، بل لإقناع الحلفاء والأصدقاء أن الجزائر من دون صاحب الفخامة على كرسي الحكم ستتحول إلى شرارة لا تبقي ولا تذر. وقد سمعنا جميعا الرئيس الفرنسي الصديق ساركوزي يعلن تأييده لصديقه بوتفليقة رئيسا للجزائر أعواما وأعواما لأنه مقتنع أن الحكم إذا خرج من يد فخامته سيتحول مباشرة إلى المتطرفين. فهناك بوتفليقة وحيدا في جهة والمتطرفون والإرهابيون في الجهة المقابلة، وفرنسا العظيمة لا يمكن أن تقبل بأية مجازفة ديمقراطية تجلب الويلات عليها. لاحظوا أن رأي الشعب الجزائري لا مكان له في معادلة الكبار! ثم أطلت علينا كاتبة الدولة الأميركية كوندوليزا رايس كالبدر في ليلة القدر لتؤكد لمن في قلبه شك أن الجزائر لم تنجب رئيسا في مكانة الرئيس بوتفليقة، فهو أحكم حكماء المغرب والمشرق على السواء. شهادة تجعل الولدان والشيب يبكون فرحا لأن القدر ساق إليهم حكيما يحكمهم ويأخذ بيدهم إلى الجنة وهم ينظرون. فشكرا آنسة كوندي نيابة عن كل الجزائريين على اعترافك ومساندتك.

وأخيرا أخرج أويحيى رأسه ليصيح مباركا لفخامته بطول العمر على كرسي الرئاسة ويبشر الناس أن ساعة الإعلان عن تعديل الدستور والتمديد لفخامته قد أزفت، وزاد أنه سيضع الآلة الانتخابية الكاسحة التي يقودها في خدمة مرشح البقاء. ولمن لا يعلم نقول إن أويحيى رجل تربى في دواليب السلطة، أذناه في فم السلطة وعيناه لا تحيدان عن مركز القرار وقد نذر نفسه ليكون في خدمة السلطة وقفازها الضارب لكل من يتحرك خارج محيط السلطة. وبما أنه لا يرى ولا يسمع شيئا غير صوت الأسياد فإن أي سخط أو تذمر شعبي ضده لن يقابله إلا بوجه أجمد من وجه روبوكوب.

إعلان أويحيى لا يشبه كلام أي سياسي ولا أي رئيس حكومة آخر، فهو عندما يقول إن موعد تعديل الدستور آت وإن بوتفليقة يبقى الأصلح والأحق بالدعم فإن معنى هذا الكلام أن القوم داخل المطبخ المركزي قد قرروا أي أكلة ستقدم للجزائريين للفترة القادمة. فهم المسؤولون منذ الاستقلال عن الشعب وهم وحدهم يعرفون إن كان جسده يحتاج طعاما مالحا أو “مسّوسا” وما على الشعب إلا رفع الأيدي وفتح الأفواه لابتلاع الطعم. إعلان أويحيى جاء حاملا المفتاح الثاني لفتح صندوق الأمانات، فالمفتاح الأول أدخله رئيس الحكومة السابق عبد العزيز بلخادم نيابة عن معسكر صاحب الفخامة وها هو المفتاح الثاني، الذي لا يفتح الصندوق بدونه، جاء يحمله أويحيى. ويبقى إخراج محتوى الصندوق مسألة وقت فقط.

قد لا يُخرج الصندوق جميع أسراره، لكن أهم شيء هو أن الاتفاق للتمديد قد حصل وباقي الصفقة ستُعلَم في وقتها وغير مستبعدٍ أن يكون لأويحيى نصيب موعود فيها، فالرجل كان مبرمجاً ليكون رئيسا بعد انقضاء الفترة الأولى من حكم الرئيس بوتفليقة، لكن التوازنات الداخلية اقتضت التمديد لصاحب الفخامة فترة ثانية وها هي المصلحة العليا تقتضي فسح المجال لفخامته ليواصل المسير في طريق مفتوح. وقد يكون أويحيى رفيق الدرب وحامل المشعل دون حاجة إلى تأييد شعبي. فهو لا يعرف الشعب ولا رغبة له في ذلك والشعب لا يعرفه، وهو متعود على أن يحكم بقرارات فوقية لا علاقة ولا مزية للشعب فيها.

يبقى لنا أن نعرف إن كان علينا أن نبدأ من الآن في تبادل التهاني بانعقاد الصفقة الكبرى في سلام ووئام بعيدا عن أي توتر وتشنج، أم علينا أن ننتظر خطاب صاحب الفخامة الذي يعلن فيه قراره بتعديل الدستور وبالتبع نزوله عند رغبة الجماهير الداعية له بالبقاء في الحكم حتى يقضي الله أمره. الدستور الحالي ينص على أنه يمكن أن يعدَّل عبر استفتاء شعبي أو عبر البرلمان، بينما تنص الأعراف الجزائرية على أن كل حاجة إلى الشعب أو إلى البرلمان لتمرير قرار فوقي يقتضي تزييت وتشحيم الآلة المطلوب منها التحرك. وأغلب الظن أن البرلمان هو الذي سيؤدي المهمة القادمة لأن أعضاءه كانوا المستفيدين من مكرمة رئاسية مباركة، حيث قرر فخامته رفع رواتب البرلمانيين 30 ضعفا حتى يحافظوا على استقلاليتهم ويؤدوا واجبهم وفق المصلحة العليا للبلد. صحيح أن خزائن احتياطي الصرف في الجزائر تكاد تنفجر، لكن إطعام الأفواه الجائعة لكل الشعب قد تخل بالتوازنات وقد لا ينفع ذلك في تحقيق الهدف، ولعل دوره قد يأتي عند موعد الانتخاب، هذا إذا تبين لحكام البلد أنه يحتاج إلى صوته وسماع هتافاته. وقد أثبتت التجربة أن رأي وصوت الشعب هو آخر اهتمامات السلطة، وأحسن دليل هو نواب البرلمان الذي سيعدلون الدستور باسم الشعب وهم لم يتولوا مناصبهم إلا بأقل من 30% من أصوات الناخبين الجزائريين، ولو أن نسبة مقاطعة تلك الانتخابات فاقت الـ70% لما كان لذلك وقع أيضا ولتشكل البرلمان لأن النواب لا يختارهم الشعب، بل المتحكمون في الشعب.


المقال نشر يوم 23-09-2008

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى